خاص|| أثر برس يفتح الشاب محمد (21 عاماً) عينيه بصعوبة كبيرة فالنعاس بدا على وجهه واضحاً نظراً للسهر الطويل والعمل لمدة تتجاوز الـ12 ساعة يومياً موزعة بين مشرف مبيعات بإحدى المولات من الساعة 1 ظهراً وحتى 5 مساء وبعدها يتابع حتى 2 ليلاً في أحد المطاعم.
يقول محمد (طالب كلية الآداب بقسم علم الاجتماع) لـ “أثر” إن دراسته لا تتطلب دواماً كاملاً في الكلية لذلك لم يجد صعوبة في تنسيق الدوام والعمل لكنه في الصباح يرعى والده المريض الذي يرافقه إلى المشفى مرتين أسبوعياً لإجراء عملية غسيل الكلية كما يؤمن أيضاً احتياجات عائلته من الخبز والخضار بكميات “بالكاد تسد الرمق”، على حد تعبيره.
محمد وغيره الكثير من الأشخاص ذكور وإناث ومن مختلف الأعمار بات الحصول على عمل آخر هاجس لديهم لتأمين دخل إضافي يقيهم من شبح الدّين والحاجة، كما يصف إبراهيم (47 عاماً) الذي يهرع إلى بيته مسرعاً عند انتهاء دوامه المكتبي بأحد الدوائر الرسمية ويأكل ويأخذ ساعة من النوم قبل أن يذهب إلى ورشة خياطة بأحد المعامل بريف دمشق من الساعة 4 وحتى 10 ليلاً ويتابع عمله بمكان آخر حتى السابعة صباحاً ومنه إلى عمله الوظيفي وهكذا يكرر يومه، مؤكداً لـ “أثر” أنه بالكاد يستطيع تأمين احتياجات أولاده الخمسة منهم طالبان جامعيان ودفع أجرة المنزل التي (قسمت ظهره) يقولها ضاحكاً.
أما، مهند (33 عاماً) يتمتع بنوع من الحظ فهو يعمل في ثلاثة أماكن وبالتخصص نفسه وكلها أعمال مكتبية كما تحدث لـ “أثر”، لكنها تتطلب جلوس ساعات طويلة أمام شاشة الحاسب يتصفح مواقع الإنترنت ليؤدي عمله بتحديث مواقع إلكترونية وصفحات إعلانية.
ويتابع لـ “أثر”: “كل ذلك يعتبر عملاً سهلاً لكنه مرهق نتيجة السهر وقلة النوم ومع ذلك بالكاد أحصل على ما يكفي لأعيش أنا وزوجتي الموظفة مستورين آملاً أن أحصل على دخل إضافي فالغلاء وحش أراه يكبر وليس باليد حيلة”.
خريجون جامعيون وموظفون ومتقاعدون يتابعون صفحات “الفيسبوك” التي تعلن عن وجود فرص عمل وحتى إن بعضهم لم يجد حرجاً في كتابة منشور في صفحته الخاصة يقدم فيه مهاراته طالباً فرصة عمل، ومنهم الشابة دعاء (22 عاماً) طالبة بأحد المعاهد التقانية، تقول لـ “أثر”: “لم نعد نهتم كم ساعات العمل أو حالتنا الصحية بل الأهم تأمين دخل مناسب للعيش بالحد الأدنى فأنا أعمل بأكثر من عمل، فإلى جانب عملي مندوبة مبيعات وما يتطلبه من وقت وسير وحركة نهاراً أتابع العمل في مكتب محامٍ بعد الظهر ليصل عدد ساعات العمل إلى 12 ساعة وعطلة يوم واحد بالأسبوع”.
ساعات النوم والراحة والاستمتاع مع العائلة والأولاد باتت رفاهية، تقول مروة (40 عاماً)، فإلى جانب عملها بمهنة التدريس تتابع بإعطاء دروس إضافية بالمنزل من الساعة 4 إلى 10 ليلاً خلال العام الدراسي بينما في العطلة يبدأ يومها بالتعليم من 6 صباحاً وحتى 10 ليلاً.
وتضيف مروة لـ “أثر”: “المدخول جيد ولكن يطير مباشرةّ ففي السابق كانت الدروس الخصوصية عملاً مربحاً يمكّن المدرس من العيش في بحبوحة وادخار بعض المال أيضاً أما اليوم فمهما كان لا يجاري الغلاء الفاحش فارتفاع الأسعار أصبح شبه يومي ويجب مراعاة وضع الأسر أيضاً فليس من المعقول أن أرفع أجر الدرس الخصوصي دائماً”، لتختم حديثها بلغتها العامية: “خليها على الله”.
وتتشارك رحاب مع الكثير من أبناء جيلها في سوريا بقصة ساعات العمل الطويلة من جهة والعمل في أكثر من مجال، فبين عملها سكرتيرة في إحدى النقابات صباحاً إلى ممرضة في إحدى العيادات بعد الظهر تقضي الجزء الأكبر من يومها لتعود إلى منزلها متعبة من صداع يزداد يومياً لقلة ساعات الراحة، مضيفة: “ليس العمل ما يتعب ولكن بتنا لا نستطيع تأمين الأساسيات مما نحتاج”.
وترى ريم أن العمل مهم في حياة أي شخص ولكن أن يتحول إلى ركض وتنقل من وسيلة مواصلات إلى أخرى وبالكاد تحصل على ما يكفي للعيش أمر مرهق ونوع من الانتحار فلا يوجد يوم عطلة أو راحة، وتتابع لـ “أثر”: “أعمل ما يقارب 19 ساعة يومياً فمن عملي بإحدى الشركات الخاصة وبراتب جيد إلى العمل في أحد المعاهد مساءً، ثم أتابع حتى 2 ليلاً في تحضير محاضرات أشارك فيها افتراضياً بإحدى مراكز التدريب، وكل ذلك بالكاد أستطيع دفع أجرة المنزل وإرسال مصروف لأمي وتأمين دخل مناسب لي ولكن أصبحت أخاف جداً على صحتي التي تحتاج إلى الراحة”.
وتحدث الكثير لـ”أثر” عن حاجتهم إلى عمل وعملين إلى جانب عملهم الأساسي مهما كان الأجر وساعات العمل “فجرّة تُسند ببحصة” كما تقول بشرى (39 عاماً) ويشاركها الرأي عبير وحازم، إذ يواصل الأخير عمله في البيع الإلكتروني إلى جانب وظيفته لكن يصفه بالمتعب ولن يتوقف عن متابعة البحث عن عمل آخر فالحاجة ماسة إلى توفير احتياجات عائلته سيما ابنه المريض.
وكان موقع “أثر” قد نشر نهاية العام الفائت مقالاً جاء فيه أنه بحسب المركز السوري لبحوث السياسات فإن خط الفقر المدقع للأسرة السورية (الفقر المدقع كمؤشر للحرمان من الغذاء) في عموم البلاد وصل إلى نحو 1.19 مليون ليرة، وخط الفقر الأدنى إلى نحو 1.87 مليون ليرة، بينما سجل خط الفقر الأعلى نحو 1.59 مليون ليرة، وسجلت محافظات الرقة ودمشق ودرعا وإدلب أعلى قيمة لخطوط الفقر في شهر نيسان، بينما سجلت السويداء أدنى قيمة لخطوط الفقر.
يشار إلى أن الخبير الاقتصادي د.شفيق عربش بيّن في وقت سابق لـ”أثر”، أن “الأسرة السورية المكونة من 5 أشخاص تحتاج للعيش ضمن الحدود الدنيا وبما يقيها الجوع فقط بين 4.5 – 5 مليون ليرة سورية، بينما لتعيش الأسرة ذاتها نفس الظروف التي كنت تعيشها قبل الحرب فتحتاج إلى ما بين 9 – 10 ملايين ليرة سورية”.