أثر برس

عن رحلة بحث أبناء الشرقية المتهمين بـ”الدولارات” عن سكن في العاصمة.. من يضع التسعيرة؟

by Athr Press G

خاص || أثر برس

يرهق أجار البيت “فاطمة” القادمة من دير الزور مع عائلتها إلى مدينة دمشق قبل ثلاث سنوات كـ “مهجرة” أو “نازحة”، فلا فرق بالتسمية بالنسبة لها، ما دام بعض أصحاب البيوت في العاصمة يعتبرون عائلتها إحدى العوائل القادمة من “مناطق النفط” محملين بـ “الدولارات”، وتستغرب بالقول: “المسلحين ومن بعدهم داعش كانوا يسرقون النفط ويبيعونه، لكن الناس تعتقد أن كل أبناء الريف في دير الزور كانوا يغرفون الدولارات من هذه الآبار، لذا فإن نار الأسعار في تأجير البيوت هي مصيرهم”.

الصبية التي لم تتجاوز الثلاثين من عمرها وتعمل على إعالة أسرتها من العمل في مقاهي العاصمة، تقول في حديثها لـ “أثر برس”: “نزحنا منذ حوالي ثلاث سنوات، هربنا من داعش لنجد أننا بلا مأوى، وحين وجدنا أول منزل كان صاحبه يريد مبلغ 100 ألف ليرة على أن ندفع 6 أشهر دفعة واحدة، أي مبلغ 600 ألف ليرة سورية، ولم يقبل صاحب المكتب العقاري بأقل من 100 ألف ليرة سمسرة له لتأمين المنزل”، وبعد انقضاء الأشهر الستة، عاد صاحب البيت لوضع العائلة أمام خياري ترك المنزل أو القبول برفع الأجرة مبلغ 20 ألف ليرة سورية دفعة واحدة.

نعيش على “الحوالات”

غالبية الأسر التي نزحت من مناطق ريف دير الزور في زمن تواجد تنظيم “داعش”، هي من العوائل التي اغترب أحد أبناءها في زمن ما قبل الأزمة في دول الخليج للعمل في مهن متعددة من أبرزها البناء، وتعتمد هذه الأسر في تأمين آجار المنزل المرتفع دوماً على الحوالة الشهرية التي يرسلها لهم أبناءها، ففارق العملة وانخفاض سعر صرف الليرة أمام العملات الأجنبية، يصب في صالح هذه الأسر.

يقول الحاج “أبو محمد”، إن أبناءه الثلاثة يعملون في دولة خليجية، وهو يحصل على مبلغ 100 ألف ليرة سورية من كل واحد من أبناءه كإعانة شهرية، والمبلغ يكفيه لـ “ستر وإعالة أسرته التي تقيم في مدينة جرمانا”، والأخيرة مدينة تضم الكثير من أبناء الريف الشرقي من محافظة دير الزور ولا يختلف حالهم كثيراً عنه.

يضيف الرجل السبعيني بالقول: “نحن هربنا من داعش، قرانا حالياً تحت سيطرة قوات سوريا الديمقراطية، لا يمكن الرجوع إليها لكوننا ننتظر عودة الدولة السورية، لكن ليس من المعقول أن يبقى سكان دمشق يتعاملون معنا على إننا تجار النفط الذين حملوا دولاراتهم وجاؤوا إلى العاصمة”، ويضيف: “أصحاب المكاتب العقارية لديهم سعرين لأي منزل يريدون تأجيره، فإن كان المنزل يؤجر بـ 50 ألف ليرة سورية لأبناء دمشق، فإنه يؤجر بـ 100 ألف ليرة سورية للنازحين من دير الزور، والغريب أن الكل يطلب 6 أشهر دفعة واحدة على الأقل، الأمر الذي يجعل من استئجار منزل جديد بالنسبة لأي عائلة مشروع شبه مستحيل”.

بعنا ذكرياتنا

مواجهة أعباء الحياة في العاصمة والمعاملة الغريبة من قبل بعض التجار وملاك المنازل، دفعت بالنساء اللواتي قدمن من ريف دير الزور إلى بيع مصاغهن الذهبي للحصول على بعض المال الذي قد يساعد في ذلك، وتقول “صبحة” المرأة التي خبئت مصاغها في صدرها حين نزحت مع عائلتها من قرية “أبو حمام” في زمن انتشار تنظيم “داعش” قبل سنتين خلال حديثها لـ “أثر برس”، إنها “جمعت كمية كبيرة من المصاغ الذهبي خلال منتصف التسعينات، حينها وتحديداً بين عامي 1995 – 1996 شهد الذهب انخفاضاً بالسعر من 330 ليرة للغرام إلى 200 ليرة للغرام الواحد، وشهدت محافظة دير الزور في ذلك الوقت إقبالا شديداً من السكان على شراء الذهب وتخزينه للأيام السودا، وبالفعل احتجناه في هذا الزمن الأسود”.

ويؤكد على كلامها “حكمت الملحم” الذي يعمل في مهن الصياغة بالقول: “غالبية الزبائن التي تريد بيع الذهب هم من سكان المنطقة الشرقية، وكل القطع الذهبية التي يبيعونها هي من تصنيع قديم، لا يقل عمر القطعة الواحدة عن 20 سنة، وغالبا ما تكون قليلة الأحجار والإكسسوارات ما يحافظ قدر الإمكان على قيمتها كذهب، وهم يبيعون كميات كبيرة لا تقل في المرة الواحدة عن 100 غرام وهذا يعني ما يقارب الـ 170 ألف ليرة وسطياً”.

بالنسبة لـ “سحر” كان المصاغ الذهبي الذي خزنته طوال السنوات التي مضت بمثابة طوق نجاة من الغرق في مستنقع السؤال، فحين وصلت مع زوجها وأولادها إلى العاصمة قادمة من قرية “السكرية” في ريف دير الزور الشرقي، توجهت أول الأمر للإقامة في فندق قبل أن تبيع ما تملكه من ذهب وتستأجر مع عائلتها منزلاً في منطقة “جديدة عرطوز”، ويبدأ زوجها بالعمل كسائق لتكسي عملوا على استثمارها بما تبقى من ثمن الذهب الذي باعته، وتقول: “غالبية القطع التي بعتها لها ذكريات جميلة لدي، بعضها كان من ميراثي من أمي، والبعض الآخر من أيام زواجي، والباقي اشتريته بما كنت أوفره من مواسم الحصاد وقطاف القطن، في كل مرة كنا نخصص مبلغ صغير لنشتري ذهبا نخبأه لأيام الحاجة، وليس ثمة حاجة أكبر من الحصول على سقف يأويك في زمن الحرب”.

“ما دخلنا”.. ولا قانون يسعّر المنازل

يحاول “أبو مزيد” التهرب من المسؤولية في عملية رفع قيمة الآجار لـ “الديرية”، ويقول الرجل الذي يعمل في مكتب عقاري بمدينة جرمانا في حديثه لـ “أثر برس”: “إن أصحاب المنازل المؤجرة ما إن يسمعون أن المستأجر من ريف دير الزور حتى يبادرون إلى مضاعفة قيمة الآجار، الكل هنا ينظر إلى النازحين الديرية على أنهم يحملون آلاف الدولارات في جيوبهم فقط لما راج من إشاعات عن الاتجار بالنفط من قبل السكان المحليين”، ويضيف بالقول: “المكاتب العقارية تعمل كوسيط فقط، لا نتدخل في قيمة المبلغ الذي يطلبه المالك، نحاول أن نصل إلى نقطة توافق بين الطرفين، سواء في عملية تأجير أو بيع منزل أو محل أو أي عقار”، ويعترف هنا أيضاً بأن أسعار البيوت تضاعفت عدة مرات في مدينة جرمانا عما كانت عليه قبل وصول النازحين من ريف دير الزور قبل ثلاث سنوات.

بالمقابل يقول “يوسف” الذي يملك منزلاً يؤجره بشكل مستمر ليعيش منه: “أصحاب المكتب العقاري دوماً يبحثون للمؤجر عن أعلى سعر ممكن، لأن ذلك يعني إنهم سيتقاضون مبلغاً أكبر، فصاحب المكتب يحصل على مبلغ قيمته تساوي قيمة تأجير المنزل لشهر كامل، فإن أجره بمبلغ 100 ألف حصل على مثلها من المستأجر كسمسرة، وهذا ما يدفعهم للنشاط أكثر في مجال رفع السعر”.

وما بين تملص المكاتب العقارية وتهرب أصحاب المنازل المؤجرة من المسؤولية، يضيع المواطن السوري في زحمة ارتفاع أسعار سوق تأجير المنازل وسط غياب القدرة على سن قانون يضمن تسعير المنازل وضمان عدم تحولها إلى “بورصة” تتأثر بأهواء من وجد في زمن الحرب فرصة لزيادة ثراءه.

محمود عبد اللطيف – دير الزور

اقرأ أيضاً