خاص || أثر برس
وصلت المساعدات الإنسانية إلى “مخيم الركبان” الواقع إلى الجنوب الشرقي من الأراضي السورية، وهو مخيم عشوائي مقام بالقرب من الشريط الحدودي مع الأردن الذي يطالب بتفكيك المخيم باعتباره “تهديداً أمنياً”، في حين أن الحكومة الروسية تطالب بخروج قوات الاحتلال الأمريكي من المنطقة لتسهيل تفكيك المخيم الذي تحولت معاناة قاطنيه إلى ورقة سياسية بيد الأطراف المعادية للدولة السورية.
قشة المساعدات
في حديثه مع مراسل “أثر برس”، يقول محمد الذي يعيش في مخيم الركبان منذ ما يزيد عن الثلاث سنوات ونصف، إن الحياة في منطقة معزولة وصحراوية مثل الركبان تعتبر مغامرة يومية بات النازحون معتادون عليها، فانخفاض درجات الحرارة بشكل كبير في مناطق البادية، والظروف الجوية القاسية يرافقها قسوة بالتعامل من قبل الفصائل المتحكمة بالمخيم وعلى رأسها “جيش أحرار العشائر” الذي يربط كل أنواع التجارة بالأشخاص المتعاملين معه.
ويضيف الشاب الذي كان يدرس الأدب العربي قبل خروجه من قريته “الشعفة” الواقعة على الضفة الشرقية لنهر الفرات، أن المساعدات التي تصل إلى المخيم بين الحين والآخر تعتبر “قشة لا تنقذ الغريق”، فالكميات التي تتسلمها الأسر القاطنة في المخيم لا تكفي لأكثر من 10-15 يوم في أحسن الأحول، ما يجبر السكان على العودة لشراء المواد الغذائية بأسعار خيالية، حيث يصل سعر ربطة الخبز المهربة من مناطق نفوذ الدولة السورية إلى المخيم 1000 ليرة سورية، فيما يبلغ سعر ليتر المازوت الواحد إلى 600 ليرة سورية.
ويعتبر محمد أن الاستمرار في البقاء في المخيم يأتي كـ “اعتقال جماعي” لكل المدنيين المقيمين فيه، على الرغم من أن البعض قد يرغب بالبقاء في المخيم بكونه يعتبر منطقة مناسبة لممارسة تربية المواشي، لكن الأمر يحتاج إلى الوصول إلى تسوية سياسية تنهي ملف الوجود المسلح في المنطقة أولاً، وهذا الأمر مرتبط بالموافقة الأمريكية وفقاً لما تروجه المجموعات المسلحة داخل المخيم.
كمية المساعدات التي وصلت إلى المخيم قبل أيام بحسب مصادر “أثر برس” تكفي للتوزيع على 60 ألف مدني، علماً أن عدد قاطني الركبان يفوق 80 ألفاً وفقاً لتقديرات غير رسمية، وتمنع المجموعات المسلحة المدنيين من العودة إلى المناطق التي خرجوا منها في محافظة دير الزور ومدن البادية السورية “مهين – تدمر – القريتين”، وذلك لأن هذه المناطق تخضع لنفوذ الدولة السورية، الأمر الذي يعقد حل ملف مخيم الركبان الذي بات يعتبر واحداً من الملفات التي تشهد تدخل دولياً معقداً خاصة من قبل الجانب الأمريكي، إذ تصف مصادر محلية الرفض الأمريكي لتفكيك المخيم بكونه “الورقة الوحيدة التي قد تعرقل أي عملية عسكرية سورية لاستعادة السيطرة على الجزء الجنوبي الشرقي من البادية السورية.
وتسببت الأحوال الجوية السيئة التي سادت منطقة الركبان خلال اليومين الماضيين بتوقف جزئي لتوزيع المساعدات الإنسانية، إذ تسببت الأمطار بتشكل برك طينية أعاقت حركة الفرق التابعة للأمم المتحدة والهلال الأحمر العربي السوري في المخيم، وتتألف قافلة المساعدات التي وصلت إلى الركبان من 100 شاحنة محملة بمواد غذائية وطبية وتعليمية، ويتشكل الفريق المرافق للقافلة من 250 شخصاً بينهم عدد من الأطباء والممرضين والمعلمين.
الأدوية بـ “الدولار”
تروي إحدى النساء القاطنات في المخيم خلال حديثها لـ “أثر برس” المعاناة الكبيرة التي يعيشها المدنيون في “الركبان” للحصول على الأدوية النوعية التي يحتاجها المصابون بأمراض مزمنة مثل أمراض القلب والربو وبعض المصابين بالسرطان، وتؤكد أن التجار المرتبطين بالمسلحين يتقاضون ثمن الدواء بـ “الدولار”، والأدوية التي تروج في المخيم مهربة من العراق أو الأردن أو من المناطق الخاضعة لنفوذ الدولة السورية.
وتضيف: “المساعدات التي تصل إلى المخيم بين الحين والآخر لا توزع بشكل عادل بسبب تدخل المسلحين في عملية التوزيع، وغالباً ما تكون الأسر التي جند أحد أبناءها في صفوف واحدة من الفصائل المسلحة هي الأكثر حظاً للحصول على حصص أكبر من غيرها، وفيما يخص الأدوية واللقاحات التي تصل مع المساعدات، فهي بمثابة إنقاذ للمرضى، لكنها لا تكفي حتى وصول الدفعة الجديدة من المساعدات، ما يجبر الناس على العودة لشراء الدواء المهرب من التجار”.
وتعتبر مسألة الوصول إلى النقاط الطبية التي أنشأتها الأمم المتحدة في الأراضي الأردنية المقابلة للمخيم معقدة للغاية، فهي تحتاج للحصول على موافقة من الفصائل المسلحة داخل الركبان، ومن ثم الحصول على موافقة من “حرس الحدود الأردني” الذي يعرقل غالبا دخول الحالات الإسعافية ما تسبب بعدد من الوفيات خاصة بين الأطفال في أوقات سابقة، ويأمل السكان بإنشاء نقطة طبية دائمة في المخيم تتبع للأمم المتحدة، لكن الوضع الأمني وصعوبة تأمين الطواقم التي قد تعمل في المخيم يحول دون تنفيذ مثل هذه الخطوة.
تعتبر التجارة في “مخيم الركبان” واحدة من المسائل التي تتقاسمها الفصائل المسلحة، فتجارة مياه الشرب والخبز والأدوية وكل ما يدخل من الأراضي الأردنية هو من نصيب فصيل “جيش أحرار العشائر”، فيما يتحكم فصيل “جيش مغاوير الثورة” بكل ما يدخل من الأراضي العراقية بما في ذلك المواشي والحبوب بكونها متحكمة بالمعبر غير الشرعي الذي أنشأته قوات الاحتلال الأمريكي في وقت سابق بالقرب من منطقة “اللويزية” وهي منطقة تقع إلى الشمال من منطقة “التنف” التي تشهد تواجد للقوات الأمريكية بشكل مباشر.
محمود عبد اللطيف – المنطقة الشرقية