أثر برس

في اللاذقية.. تتعدد الأسباب والتسول واحد

by Athr Press G

خاص|| أثر برس

دون عناء البحث الطويل، سرعان ما تلتقي عين عابر الطريق بعين أحد المتسولين الذين ينتشرون في شوارع اللاذقية.. لقاء ليس عفوياً بل متعمداً بسابق ترصد وتصميم من المتسول الذي يراقب المارة ليختار هدفه فيقبل عليه راجياً داعياً شاكياً حافياً بكل ما تخطر على باله من كلمات تعلمها من سر المصلحة التي امتهنها بكيفه، أو وضعته الأقدار وجهاً لوجه بمواجهتها فبات لا حول له ولا قوة سوى السير في زواريبها الشاقة.

بين دوافع النزوح واليتم والفقر تتعدد أسباب التسول إلا أن الطريق إلى الشارع واحد، يجمع بين الجميع فيتساوون أمام المجتمع الذي يرفضهم  فمنهم من يراهم ضحايا الفقر لا حول لهم ولا قوة، لكن لا يحب الاختلاط بهم فيعطيهم على عجل من جيبه ويمضي في طريقه، ومنهم من يستحقرهم ويلعن مشغلهم الذي يستغل براءتهم، ومنهم من يمر مرور الكرام من أمامهم وكأنهم ليسو موجودين.

الطفلة هاجر البالغة من العمر 7 سنوات،تمشي في شوارع جبلة حافية القدمين في الشتاء وكأن لديها حصانة ضد البرد، ما أن تلمح أحداً يمشي باتجاهها حتى تسرع إليه لتعترض طريقه وتطلب منه المال بحجج كثيرة، إما لشراء الطعام أو لشراء الدواء لأمها المريضة وإما لشراء حذاء تلبسه برجلها.

دون أن تعلم أنها ستتحدث إلى موقع “أثر برس”، قالت هاجر: “أنا لا أذهب إلى المدرسة فنحن فقراء جداً نسكن في خيمة على أطراف المدينة أنا وأمي وأخوتي الأربعة”.

ومن دون أن تشعر بالحرج لأن واقعها المر أفقدها أي إحساس بالخجل من فقرها المدقع, أضافت: “أنا وأخوتي نتسول المال لكي نعيش، نخرج صباحاً إلى الشوارع ولا نعود حتى تبدأ الشمس بالمغيب”، وتابعت: “يا دوب المال الذي نحصل عليه في اليوم يكفينا لوجبة العشاء”.

وفي الشارع الآخر القريب من هاجر ينتشر أخوتها الذين يسألون الناس من مال الله، فإن لم يستجيبوا لهم يدعون لهم بكل الكلمات التي تعلموها، وإن لم تفلح دعواتهم انحنوا بغرض أن يقبلوا أرجل سائليهم لعلهم يحظوا بالمال الذي ينشدون وسط تذمر عابري الطريق الذين يعجلون الخطا هرباً منهم.

بعيداً عن الشوارع التي تنتشر فيها هاجر وأخوتها، تفترش “أم أسعد” سيدة ستينية أحد الشوارع في اللاذقية وقد وضعت أمامها منديلاً تأمل أن تجمعه مساء وقد امتلاً بالمال الذي سيدفعه لها المارة بعد أن يحن قلبهم على شيخوختها الملقاة على الطريق.

بكلمات مبعثرة وجمل متقطعة، تحاول أم أسعد أن تجمع عذاباتها وتشرح ضيق حالها فتقول: “ليس لي معيل فقد فقدت أولادي الثلاثة، وبت وحيدة في هذه الدنيا ولا أقوى على القيام بأي عمل في هذا العمر”، وتضيف بمبالغة المستعطف: “لا يوجد مرض إلا وأعاني منه ولذلك أجلس وأعيش على ما يعطيني إياه “الحناين”.

وعن الكثير من الأسئلة الأخرى حول أين تسكن ومن يصحبها إلى منزلها وكيف تتدبر أمرها، تمتنع أم أسعد عن الإجابة وتكتفي بالقول: “ألن تعطيني من مال الله”.

وفي المقلب الآخر، ياسين طفل في الثامنة من عمره، يبيع العلكة ومحارم الجيب، قبل أن يتحدث لسانه، سردت نظرات الحزن التي في عيونه قصة ألف ليلة وليلة من الجوع والحرمان والبؤس، لكن عندما تكلم ياسين كانت عزة النفس والكبرياء أكثر وقعاً في النفس من حزنه العميق، إذ قال: “أنا من إدلب، مات أبي وأخي بقذيفة وقعت فوق بيتنا، ونجوت أنا وأمي، وأتينا مع جيراننا إلى اللاذقية”، مضيفاً: “أبيع العلكة والمحارم لكي لا أمد يدي إلى أحد وأتسول.. لا أريد من أحد أن يشفق علي”.

رجاء اشترت من ياسين علكة، دفعت ثمنها وطلبت منه أن يأكلها بدلاً منها ومضت في طريقها، وبعد أن أوقفناها لنسألها لماذا اشترت العلكة إن كانت لا تريدها، قالت لـ”أثر برس”: “أنا أحب أن أساعد هؤلاء الأطفال الذين يحاولون بيع أي شيء من دون أن يمدوا أيديهم للناس ليتسولوا”، مضيفة: “اشتريت من الصبي العلكة لأنني خجلت من رجولته الصغيرة الواقفة على الطريق”.

بدوره، قال شادي: “أنا لا أعطي المال للمتسولين صغارا كانوا أم كباراً لأنني لا أعلم إن كانوا حقا بحاجة إلى المال أم أنهم نصّابون، ناهيك أن طريقتهم بالاستجداء والانحناء على الأرجل مزعجة جداً وتجعلك تنفر منهم”.

أبو علي شاطر شادي رأيه، وقال: “الأطفال لديهم من يشغلهم وينشرهم في الشوارع للتسول ثم يجمعه منهم عند المساء بعد أن يعطيهم الفتات”، مضيفاً: “هناك عائلات مؤلفة من أم وأولادها يمتهنون جميعاً التسول لأنها أربح من أي عمل آخر”.

وتابع: “من يحتاج إلى المال لكي يعيش يجب عليه أن يعمل بدلاً من أن يتذلل ويتسول”، مشيراً إلى انتشار عدة نساء في مقتبل العمر في كراج جبلة يتسولن وهن قادرات على القيام بجميع الأعمال التي تكفيهم مذلة التسول!.

بدوره، أكد بشار دندش مدير الشؤون الاجتماعية والعمل في اللاذقية لموقع “أثر برس” أنهم يعملون على الحد من ظاهرة التسول عن طريق متابعة المشغلين الذين يقومون بتشغيل الأطفال، مشدداً على أن الإجراءات التي تقوم بها المديرية كفيلة بالحد من ظاهرة التسول.

وأضاف دندش: “جهزنا مركزاً لائقاً ضمن مركز الأحداث في منطقة الشير لاستقبال المتسولين، كما نقوم حالياً بتأهيل جناح خاص للمتسولين هو عبارة عن 22 غرفة مع مطبخ وحمامات حيث تم التعاقد مع الإنشاءات العسكرية لتجهيز البناء”.

وأوضح دندش أن المديرية تقوم بدراسة الأوضاع الاجتماعية للأطفال الذين يتم ضبطهم في حالات تسول، ثم تعمل على إيجاد حلولاً للأطفال مع إحدى الجمعيات الستة المسجلة لدى الشؤون الاجتماعية لتعليمهم مهن مختلفة كدورات الخياطة، صناعة الصابون، دورات حلاقة،ورش نجارة.

وبيّن دندش أنه في حال تم ضبط حالة تسول لمتسول بلغ سن الرشد فانه يتوجب عليه التعهد بعدم العودة إلى التسول، مستدركاً: وفي حال عاد إلى الشارع للتسول فانه يضبط ويقدم إلى القضاء تلقائياً.

كما أكد دندش أن الدوريات التابعة للمديرية شاهدت السيارات التي تقل الأطفال، إلا أنها لم تتمكن من إيقافها، مبيناً أن المديرية قامت بتسجيل رقم السيارة وتعميمها.

وأشار دندش إلى أن الجهات المختصة خلال الفترة الماضية ضبطت أكثر من 17 حالة تسول معظمها من النساء في مدينة اللاذقية.

باسل يوسف – اللاذقية

 

 

 

اقرأ أيضاً