صعّدت “الإدارة الذاتية” الكردية في شمالي وشمال شرقي سوريا من مواقفها العدائية اتجاه دمشق في الآونة الأخيرة، متهمّةً الدولة السورية بالاتّفاق مع تركيا على محاربة قواتها، وإنهاء وجودها في سوريا.
وأصدرت بياناً، رأت فيه أن “استمرار كارثة انقطاع المياه عن مليون مدني في الحسكة وريفها، هو نتاج اتفاق دولتَي روسيا وتركيا وبموافقة دمشق لخنق شعبنا، ووأد تجربته الديمقراطية، دونما شعور بمدى فداحة هذه الجريمة”.
التصعيد السياسي والإعلامي الأخير لـ “الإدارة الذاتية” جاء بعد إرسال الجيش السوري تعزيزات عسكرية كبيرة إلى مناطق الشريط الحدودي، وخصوصاً في محيط تل رفعت ومنبج، وهذا ما اعتبرته “الذاتية” بمنزلة تمهيد للسيطرة على الطريق الذي تربط حلب بالحدود التركية، مع منع أي خرق للمجموعات المسلحة في ريف حلب، بما فيها المناطق التي تتواجد فيها “الوحدات الكردية”.
ويأتي ذلك أيضاً بعد شهرٍ من تصعيد ميداني، بعدما شهدت مدينة القامشلي حصاراً متعمّداً فرضته “قوات سوريا الديمقراطية – قسد” على قرىً في ريفي المدينة الجنوبي والشرقي الخاضعة لسيطرة الدولة السوريّة، كما استقدمت تعزيزات عسكرية مكوّنة من مدرّعات وآليات في اتّجاه منطقة الحزام ودوار الباسل في المدينة.
وأكدت مصادر ”أثر برس” حينها، أنّ “قسد” أغلقت مدخل حي زنود ونشرت عناصرها عند سكة القطار الفاصلة بين حيي زنود وحارة طي في القامشلي، وحاصرت قرية “خربة عمو” شرقي القامشلي مهددين باقتحام قرية أبو ذويل، بحثاً عن فتاتين وشاب يعملون في “قياداتها المالية” فروا باتجاه قرية “أبو ذويل”، مطالبين الجهات السورية المختصة بتسليم الفتاتين والشاب، في وقتٍ نفت فيه مصادر “أثر” وجود الفتاتين والشاب عند الجهات المختصة التابعة للدولة السورية.
وتعليقاً على هذا التصعيد، أعربت مصادر رسمية سورية في حديث لصحيفة “الأخبار” اللبنانية عن ظنها أن “ذلك يأتي استباقاً لأيّ تطورات ميدانية في مناطق شمال شرق سوريا”، لافتةً إلى أن “الموقف الرسمي السوري ثابت، وهو أن لا تطبيع للعلاقات مع تركيا، إلا بعد انتزاع جدول زمني واضح للانسحاب من كامل المناطق المحتلّة في الشمال السوري، وهذا الأمر هو مصلحة وطنية للجميع”.
واعتبرت المصادر أنّ “الاتهامات الموجّهة إلى دمشق في قضية علوك مرفوضة؛ لأن أساس المشكلة هو احتلال تركيا للمحطة، واستيلاء قسد على محطة الدرباسية المغذية لعلوك بالكهرباء”، مشيرةً إلى أن “هناك اتهامات شعبية للإدارة الذاتية، باستغلال قطع المياه لتحقيق منافع اقتصادية، بالحصول على دعم من منظّمات ودول بملايين الدولارات، باعتماد بند تأمين مياه الشرب للأهالي، أو إنشاء مصادر بديلة للمياه – كمشروعي جرّ مياه الفرات وحفر آبار في محطة الحمة -، أثبتت فشلاً كبيراً، رغم التكلفة المالية العالية”، مؤكدةً أن “الدولة السورية متمسّكة دائماً بنهج الحوار مع الجميع، لكن على أساس وطني، ومن دون وجود أي شروط مسبقة”.
وكان مبعوث الرئيس الروسي للشرق الأوسط وشمال إفريقيا، ميخائيل بوغدانوف قد صرّح في بدء مباحثات “أستانا” بشأن سوريا التي جرت في 20 و21 من حزيران الجاري، بأنّ “القوات الأمريكية تدعم “الإدارة الذاتية” الكردية التي تعارض وحدة الأراضي السورية، وأضاف: “بالطبع، الأمريكيون يدعمون عدداً من المنظمات الكردية التي أنشأت شبه دويلة مع إدارة خاصة بها، وهذا أمر غير مقبول إطلاقاً”.
وأكد بوغدانوف أنّ “الولايات المتحدة ليست مهتمة بحل القضية الكردية في سوريا وتمنع حلفاءها الأكراد من التفاوض مع دمشق”، وتابع: “بالطبع نحن نقف مع حل مشاكل الأكراد بالحوار، ولكن أظن أن الأمريكيين، للأسف، غير مهتمين بذلك ولا يسمحون لحلفائهم الأكراد بالتحاور مع دمشق”.
وتعليقاً على ذلك، قالت دائرة العلاقات الخارجية في “الإدارة الذاتية” لشمالي وشرقي سوريا، إنها تحرص على تحقيق حل سلمي سوري بالحوار الحقيقي الهادف، مشيرةً إلى أن هناك من يصر على قراءة الواقع بمعزل عن الحالة الموجودة، وسط تجاهل تام لدورها ومواقفها في هذا الإطار.
في المقابل، سبق أن أكد معاون وزير الخارجة أيمن سوسان في لقاء أجراه مع “العربية نت”، أنّ “أصحاب المشروع الانفصالي شمال شرقي سوريا ارتضوا لأنفسهم أن يكونوا أداة للمشروع الأمريكي لضرب وحدة سوريا”، مشيراً إلى أن “هذا الفصيل لا يمثّل الأكراد السوريين، الذين هم جزء لا يتجزأ من النسيج الوطني السوري”، موضحاً أن “قيادات هذا التنظيم وعقيدته هي غريبة عن سوريا، فهم أتوا من خارج سوريا من جبال قنديل”، معتبراً أنهم “لا يعنون شيئاً للأمريكيين، وأنهم مجرد أداة في مشروعه، وعندما تنتفي هذه الحاجة سيرميهم كما رمى غيرهم”.
وأضاف: “نتمنى أن تزول هذه الغشاوة الموجودة على عينيه، وإذا كانت هناك بعض الأمور نستطيع بالحوار وتحت سقف الوطن السوري الواحد الموحد أن نصل في حوارنا هذا إلى أمور تلبي متطلبات الجميع، لكن أن يرتضوا لأنفسهم أن يكونوا أداة للأمريكي لضرب وحدة سوريا، لا خيار أمامنا إلا مواجهتهم”.
وفي معرض سؤال عن إمكانية تحقيق تعاون عسكري تركي- سوري لمواجهة مشروع “الإدارة الذاتية” شرقي سوريا، أكد سوسان أنّ “كل ما يبدو صعباً أو مستحيلاً يمكن أن يتحقق، هكذا تعلمنا في السياسة ولكن هناك متطلبات يجب أن تتوفر، وأولى هذه المتطلبات إقرار تركيا بالانسحاب الكامل من الأراضي السورية، وفق جدول زمني محدد وتنفيذ هذا الانسحاب، وعندما يتحقق هذا الشيء تكون المجالات مشرعة لمختلف أشكال التعاون مع تركيا بما يخدم الأمن الوطني لكلا البلدين”.
أثر برس