تشهد مدينة القامشلي تصعيداً من قبل “قوات سوريا الديمقراطية – قسد”، بعدما فرضت حصاراً على قرىً في ريفي المدينة الجنوبي والشرقي الخاضعة لسيطرة الدولة السوريّة، كما استقدمت تعزيزات عسكرية مكوّنة من مدرّعات وآليات في اتّجاه منطقة الحزام ودوار الباسل في المدينة.
وأكدت مصادر ”أثر برس”، أنّ “قسد” أغلقت مدخل حي زنود ونشرت عناصرها عند سكة القطار الفاصلة بين حيي زنود وحارة طي في القامشلي، وحاصرت قرية “خربة عمو” شرق القامشلي مهددين باقتحام قرية أبو ذويل، بحثاً عن فتاتين وشاب يعملون في “قياداتها المالية” فروا باتجاه قرية “أبو ذويل”، مطالبين الجهات السورية المختصة بتسليم الفتاتين والشاب، في وقتٍ نفت فيه مصادر “أثر” وجود الفتاتين والشاب عند الجهات المختصة التابعة للدولة السورية.
من جهتها، قالت صحيفة “الأخبار” اللبنانية، إنّ “الجانب الروسي دخل في وساطة بين الطرفَين لمنع تصعيد الأمور، ونجح في الحدّ من التوتّر، والتخفيف من إجراءات “قسد” في محيط المطار وريف القامشلي، من دون تطويق التوتّر بشكل كامل”.
تصعيد متعمّد
في مقابل رواية “قسد” بشأن البحث عن عناصرها الفارّين، ترى صحيفة “الأخبار”، أنّ “قسد” تتعمّد التصعيد في مواجهة الحكومة السورية منذ لقاء وزيرَي خارجيتَي سوريا وتركيا في موسكو، قبل أكثر من شهر، متّهمةً الجانبَين بالاتفاق على محاربة قوّاتها”.
وأضافت، أنّ “عدداً من مسؤولي “الإدارة الذاتية” أبدوا انزعاجهم من عدم تجاوب الحكومة السورية مع مبادرتهم للحلّ السياسي، على رغم محاولاتهم العديدة فتح قنوات حوار جديدة مع دمشق، وإقناع الأخيرة باعتماد تلك المبادرة كمنطلق للحوار”، معتبرةً أنّ “تحرّك “قسد” الأخير ضدّ الجيش السوري يفسّر على أنه رسالة بامتلاكها أوراقاً عسكرية، تَقدر من خلالها على إزعاج دمشق ميدانياً في الشرق، في حال وجود أيّ نوايا فعلية للتعاون مع أنقرة ضدّ قوّاتها في عموم مناطق سيطرتها في الشمال والشرق”.
كما تريد “قسد” التأكيد على أنها قادرة على التضييق على الجيش السوري في الحسكة والقامشلي، وعلى امتداد الشريط الحدودي من المالكية في ريف الحسكة، مروراً بريف الرقة ومنبج وعين العرب في ريف حلب، ومنع حركته في هذه المناطق، ومحاصرة جنوده في أيّ وقت، وتشير الصحيفة في هذا الصدد، إلى أنّ “قسد تتجاهل الحقيقة القائلة إنّ وجوده في هذه المناطق منَع الأتراك من التوغّل إليها، وأجبرهم على وقف التمدّد في عملية “نبع السلام” عام 2019.
جولات بين “قسد” ودمشق من دون نتائج
سبق أن أكد رئيس “حزب الاتحاد الديمقراطي” صالح مسلم، في لقاء مع صحيفة “الشرق الأوسط” اللندنية، قائلاً: “إنّ قسد لم تعقد أي اجتماعات مع مسؤولي الحكومة السوريّة منذ قرابة عامين، باستثناء اللقاءات العسكرية والأمنية المباشرة التي تمت بين الجانبين برعاية القوات الروسية”.
وفي تشرين الأول الفائت، كشف مصدر كردي عن انطلاق جولة جديدة من المفاوضات السرية بين مسؤولين في “مجلس سوريا الديمقراطية– مسد”، والحكومة السوريّة، برعاية روسيا، عن مستقبل مناطق شمال شرقي سوريا.
ووفق ما نقله موقع “باسنيوز” الكردي عن مصدر مقرب من “حزب الاتحاد الديمقراطي“ حينها، فإن “مفاوضات سرية تجري بين “مسد” والحكومة السورية بدمشق، برعاية روسيا، للتوصل إلى اتفاق عن مستقبل المناطق الخاضعة لسيطرة “قوات سوريا الديمقراطية– قسد”.
وأضاف المصدر الذي رفض الكشف عن هويته، أن “المفاوضات لم تتوقف منذ التهديدات التركية باجتياح شمالي البلاد وتجري على مستويات عسكرية وأمنية وإدارية”.
المصدر لفت إلى أن “موسكو مهتمة بالمفاوضات اهتماماً جدياً للتوصل إلى اتفاق عن النقاط الخلافية بين الطرفين”، مؤكداً أن “هناك ضغوطاً من “حزب العمال الكردستاني” على “قسد”، للتوصل إلى اتفاق مع دمشق بأي شكل من الأشكال”.
“قسد” والتقارب العربي اتجاه دمشق
قررت “قوات سوريا الديمقراطية – قسد” أن تواكبَ موجة الانفتاح العربي اتجاه دمشق، انطلاقاً من سياسة الأمر الواقع، إذ رأى مراقبون أن مسؤولي “الإدارة الذاتية” من الصعب أن يبقوا في موقع المتفرّج والمراقب، منذ التغيّرات التي اجتاحت المنطقة بعد زلزال شباط الفائت.
وهذا ما دفع قيادات بارزة في “الإدارة الذاتية” إلى الإعلان في 18 نيسان الفائت، عن مبادرتها الجديدة للوصول إلى حل سلمي للأزمة في سوريا، والتي تألفت من 9 نقاط رئيسة، بدأت بتأكيد “وحدة الأراضي السورية”، ثم ضرورة الاعتراف “بالحقوق المشروعة لكل المكونات الإثنية والدينية التي تشكل المجتمع السوري” وحماية الحقوق الجماعية لهذه المكونات، و”تطوير القيم والآليات الديمقراطية” و”تأسيس نظام إداري سياسي تعددي لا مركزي يحفظ حقوق الجميع”، ووجوب توزيع ثروات البلاد بشكل عادل بين جميع المناطق السورية.
وأشار محللون في هذا الصدد، إلى أنّ “القيادات الكردية أدركت أن المساعي الروسية والإيرانية على خط دمشق- أنقرة بلغت موقعاً متقدماً، وأن أي تسوية سورية- تركية محتملة لا بد من أن تكون “قسد” هي الخاسر الأول والأكبر فيها، خصوصاً أن معظم البنود التي يحملها المفاوضون الأتراك إلى اجتماعاتها الخاصة بهذا المسار تبدأ وتنتهي عندها وعند ما تسميه أنقرة “الإرهاب الكردي”، وهذا وحده كفيل بإحداث قلق كبيرٍ لدى الجالسين خلف مكاتب “الإدارة الذاتية” في الشرق السوري، الذين يتوقعون أن “يتفرغ” لهم الجميع معاً، لا فردياً، في وقتٍ لاحق.
وفي موازاة ذلك، كشف موقع “المونيتور” الأمريكي، أنّ قائد “قسد” مظلوم عبدي زار الإمارات سراً للتوسط من أجل إقامة مفاوضات مع دمشق، وأشارت مصادر إلى صحيفة “الأخبار” حينها إلى “وجود مساعٍ من الإدارة الذاتية لفتح قنوات اتصال مع الجامعة العربية والسعودية ومصر أيضاً، وكلّ من له أيّ تأثير ممكن في الوضع بسوريا، لشرح تجربة الإدارة الذاتية، والدفع نحو أخذها بعين الاعتبار، وإشراك الأكراد في أيّ مشروع للحل السياسي في سوريا”.
دمشق: ثباتٌ في الموقف
ترى دمشق أن اللامركزية التي تنادي بها “الإدارة الذاتية” في شمالي وشمال شرقي سوريا يجب أن تكون وفق “الدستور السوري”، إذ دعا وزير الخارجية فيصل المقداد، في لقاء سابق أجراه مع قناة “روسيا اليوم”، “المعارضة السورية” للعودة إلى دمشق، قائلاً: “سوريا ترحّب بكل المواطنين؛ لأن الوطن للجميع”، مضيفاً: “فلينضم هؤلاء إلى شعبهم لإغناء مجالس الإدارة المحلية، فكل مواقع الإدارة القاعدية في سوريا هي بقيادة مؤسسات منتخبة“.
كما دعا وزير الخارجية السورية “المعارضة” إلى عدم تصديق الأحلام التي قطعتها الدول الغربية لهم؛ لأن هذا الدعم قد سقط.
وأردف المقداد: “كانت الظروف التنموية في سوريا قبل عام 2011 رائعة، فحققت البلاد تقدماً اقتصادياً يصل إلى عشرة في المئة في العام الواحد، إذ أعلنت الأمم المتحدة أن سوريا هي الدولة رقم عشرة في تحقيق الإنجازات التنموية، والآن أين نحن بسبب هذه المعارضات”.
أثر برس