خاص|| أثر برس عاد الحديث عن تقارب بين الحكومة السورية و”قوات سوريا الديمقراطية-قسد” على إثر التصريحات التي يطلقها قادة “قسد”، عن ضرورة الحوار مع دمشق على أن يشمل الحوار الحقول النفطية، وتشير التوقعات إلى أن “الوحدات الكردية” جادة في الذهاب نحو حوار مفتوح مع الحكومة السورية لإنهاء ملف المنطقة الشرقية، لكن الواقع بعيد تماماً عن مثل هذه الخطوة، وما تبحث عنه “قسد” هو ضمانة روسية بأن يتم حماية المنطقة الشمالية في محافظتي الحسكة والرقة من التهديدات التركية المتزايدة والتي قد تذهب نحو عملية عدوانية جديدة في الداخل السوري بحجّة محاربة “قسد”، نتيجة لارتباطها بـ “حزب العمال الكردستاني”، الموضوع على لائحة المنظمات الإرهابية من قبل مجلس الأمن الدولي.
تشير المعطيات إلى أن القيادات الكردية لا تمتلك خيارات مستقلّة عن الرغبة الأمريكية، وبوجود قوات الاحتلال الأمريكية داخل المناطق النفطية الأساسية في سوريا (رميلان – الشدادي – شرق الفرات)، لا يمكن للفصائل الكردية المسلحة أو قادة الجناح السياسي فيها أن تذهب نحو الحديث عن عملية تسليم الحقول النفطية بشكل جدي بكونها لا تملك القدرة على اتخاذ هذا القرار أو تطبيقه على أرض الواقع، وما سيجري تحديداً هو بحث التهديدات التركية مع الجانب الروسي، وسيحاول الوفد الممثل لـ “مسد”، برئاسة “إلهام أحمد”، أن يحصل على ضمانات روسية بعدم قيام الأتراك بأي عملية عسكرية جديدة في سوريا بدون تقديم تنازلات سياسية أو ميدانية، وإذا ما اضطروا لمثل هذه التنازلات فإن الوفد سيناقش مسألة انتشار الجيش السوري في نقاط جديدة على خطوط التماس المباشر مع “قسد” مع إمكانية الذهاب نحو حوار مع دمشق قد ترفضه الحكومة السورية نتيجة لتمسك “قسد”، بشرطي “الاعتراف بالإدارة الذاتية والاعتراف بخصوصية “قسد” العسكرية، وتجد الحكومة السورية أن من المحظورات أن يتم مناقشة استنساخ تجربة إقليم شمال العراق “كردستان”، في شمال شرق سوريا أو في أي منطقة أخرى، إذ أن “فدرلة سوريا”، مطلب أمريكي تحاربه دمشق.
وبعد أن جاءت تصريحات أمريكية تؤكد على عمق العلاقة مع تركيا عقب قمة “بايدن -أردوغان” والتي ألمحت لاحتمال ألا تعارض واشنطن أي عملية لتركيا في الشمال السوري توجّه وفد من “قسد” إلى العاصمة الروسية بهدف الحصول على ضمانات روسية في الشق العسكري، ووعداً قطعياً حول إشراك “قسد”، في الحوارات السياسية حول الملف السوري كـ “طرف معارض”، مستقل عن بقية أطياف المعارضة، علماً إن تمسّك المعارضة برفض وجود “قسد”، في مثل هذه المناسبات يأتي انعكاساً للرغبة التركية، ويبدو أن قادة “الكرد” باتوا مدركين لخطأ “وضع كل بيضهم في سلة واحدة”، فالحماية الأمريكية الممنوحة لهم مؤقتة وقائمة على علاقة مصلحية لا أكثر، وعلى الرغم من كون “قسد” ترسل للمرة الثانية وفداً إلى العاصمة الروسية لمناقشة ذات الملفات، إلا أن التعويل على أن تخرج عن النص الأمريكي شبه معدوم، وذلك لتحكّم الإدارة الأمريكية بقرار “قسد” السياسي والعسكري بشكل مطلق، ولن تذهب إلى ما هو أبعد من الحفاظ على ما تسيطر عليه من مناطق بدلاً من خسارة المزيد لصالح القوات الأمريكية، فهي تعرف تماماً أنه من الممنوع عليها أن تذهب نحو مواجهة جدية أو طويلة مع حليف لواشنطن مثل أنقرة، إلى جانب أن القيادات الكردية تدرك تماماً أن “قسد”، تعد الحلقة الأضعف في التوافقات الدولية حول الملف السوري.
لكن طالما أن الفصائل الكردية تربط مصيرها بالوجود الأمريكي، فلا يمكن التعويل على موقف وطني ومستقل لـ “قسد”، فسبق أن أرسلت “قسد” وفداً إلى العاصمة الأمريكية بالتزامن مع انعقاد أعمال الجمعية العموميمة للأمم المتحدة في دورتها الأخيرة لضمان استمرارية الوجود الأمريكي، وعقد هذا الوفد سلسلة من اللقاءات مع شخصيات من مجلسي الكونغرس والشيوخ الأمريكيين لبحث بقاء طويل الأمد للقوات الأمريكية، وعدم تكرار تجربة الانسحاب المفاجئ من أفغانستان، وعليه فإن القول بوجود “تقارب”، بين الحكومة السورية و”قسد” قياساً على تصريحات السياسيين الكرد التي تأتي قبيل انطلاق المعركة مع تركيا، ليس سوى ورقة أخيرة يحاول قادة “قسد”، أن يتجنبوا من خلالها هزيمة حتمية قد تكون هي الأقسى إذا ما هاجمت القوات التركية “عين عرب”، أو “جسر قره قوزاك”.
محمود عبد اللطيف