ذات مساء من عام 2010، تجاوزت سيارة أجرة صفراء ساحة الأمويين وانعطفت يساراً باتجاه فندق الشيراتون الشهير، وعند تمام الثامنة مساء بتوقيت دمشق، نزل رجلان من السيارة ودخلا غرفة مغلقة في الطابق الأرضي بالفندق، حيث كان ينتظرهما فهد المدلج رئيس نادي الفيصلي السعودي، وبجانبه مدير الكرة محمد المطيري.
جلس المدرب الكرواتي زلاتكو داليتش برفقة وكيل أعماله الألباني ألير حليلي على كرسيهما، فيما بادرهما المدلج بالتحية ثم سأل زلاتكو: “لماذا تريدنا أن نتعاقد معك؟” أجاب الرجل المرهق من طول الرحلة الجوية القادمة من زغرب: “أريد تحقيق النجاح وصناعة اسم كبير في منطقة الخليج”.
وبعد ساعات انتهى الاجتماع بتوقيع عقد لمدة عامين وبأجر سنوي يبلغ 230 ألف دولار أميركي.
اعتقد زلاتكو أنه وبمجرد اعتزاله كرة القدم مع فريق فارتيكس الكرواتي عام 2000، سيكون بمقدوره العودة إلى مسقط رأسه في مدينة بوسنية صغيرة تدعى ليفنو، حتى يستمتع مع زوجته وطفليه باللعب والسباحة والصيد ورحلات التخييم الممتدة على نهر بيستريتسا، ولكن اتصالاً هاتفياً من ميروسلاف بلازيفيتش أعاده إلى النادي كي يساعده إدارياً وتدريبياً، وبعد 3 أعوام نجح لاعب الوسط المعتزل بنيل شهادة تدريبية متقدمة من الاتحاد الأوروبي وانطلق كمدرب مستقبل.
في منتصف 2010، وصل زلاتكو إلى مدينة حَرْمَة التي تبعد عن الرياض 210 كلم، وكان طلبه الأول حضور اللاعبين إلى التدريب الساعة 6 فجراً، لتفادي حرارة الشمس أثناء التدريبات الصباحية، بينما يصف العاملون بالنادي مدربهم السابق باللطيف والخلوق، ويقول عنه الرئيس فهد المدلج: “كنا إذا ذهبنا إلى مطعم أو مقهى، يسبقنا إلى المحاسب كي يدفع الفاتورة، إنه رجل راق وكريم ومغرم بكرة القدم”.
نشأت علاقة أسرية رائعة بين أسرة زلاتكو وأسرة فهد وتبادلت العائلتين الثقافات والاهتمامات خلال الزيارات الأسبوعية، ولكن لم يمنع هذا الحبّ من رحيل المدرب الكرواتي إلى الرياض لتولي تدريب أولمبي الهلال، إثر عامين متواضعين قضاها برفقة عائلته في إحدى الشقق المفروشة بالمجمعة، وحينما سأله الصحافيون عن سبب الخطوة المتراجعة، أجاب: “أنتظر الفرصة الأكبر لتدريب الفريق الأول للهلال”.
تحقق حلم زلاتكو بتدريب الهلال الأول بعد 9 أشهر، بعدما أقالت الإدارة الزرقاء المدرب الفرنسي كومباريه، ورغم فوز الرجل الأربعيني بكأس ولي العهد إلا أن الهلاليين اختاروا سامي الجابر مدرباً جديداً في الموسم الذي يليه، ما أجبر الكرواتي على الرحيل إلى الإمارات محقّقاً مع فريق العين 97 انتصاراً و4 بطولات، وفي مطلع 2017 استقال برغبته وعاد إلى دياره.
وتقول شبكة “EPSN” الإخبارية، زلاتكو رفض عرضاً سنوياً قيمته 4 ملايين يورو من الاتحاد التايلاندي لكرة القدم وفضّل 550 ألف يورو لتدريب منتخب كرواتيا الذي تحوّل إلى أشلاء على يد المدرب أنتي ساشيتش، وبالفعل استطاع صاحب الـ51 عاماً في مونديال روسيا الجاري من تجاوز نيجيريا وآيسلندا والأرجنتين والوصول إلى نصف النهائي للمرة الثانية بعدما فعلها مسبقاً جيل 98 بقيادة سوكر وبروزينيكى وبوبان.
بقي زلاتكو الرجل المتواضع حيث قال لقناة “سكاي” قبل مواجهة إنجلترا يوم الأربعاء قائلاً: “علينا الإيمان بقدراتنا، فكل شيء يمكن تحقيقه، هذه أسعد لحظات حياتي، ولا أريد لسعادتي أن تتوقف”.