أثر برس

قطار أنقرة- دمشق.. ثلاث مقطورات قد تعبر “صدفة” من محطة قازان

by Athr Press Z

خاص|| أثر برس يواصل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، مغازلة الرئيس بشار الأسد، ودعوته إلى لقاء مباشر بينهما منذ حزيران الماضي، ويبدو أن أردوغان يستعجل للحصول على مكاسب من دمشق التي لا تبادله الحماس نفسه للقاء، حتى الآن. يواصل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، مغازلة الرئيس بشار الأسد، ودعوته إلى لقاء مباشر بينهما منذ حزيران الماضي، ويبدو أن أردوغان يستعجل للحصول على مكاسب من دمشق التي لا تبادله الحماس نفسه للقاء، حتى الآن.

ثلاث مسارات

خرج وزير خارجية تركيا حقان فيدان في 19 أيلول، ليؤكد أن أردوغان مستعجل للقاء الرئيس السوري بقوله: “لقد قرر رئيسنا أن هذا يجب أن يحدث الآن” وفق ما نقلته عنه وكالة “الأناضول” التركية حينها، إلّا أن توضيحه اللاحق بأن المحادثات مستمرة، بشكل غير مباشر، منذ فترة، وأن اللقاءات جرت على مستويات استخباراتية وعسكرية مختلفة، يحمل في طياته اعترافاً بأن هناك مستويات أخرى لا تسير وفق الهوى التركي.

يمكن تقصي هذه المستويات من تصريحات المتحدث باسم حزب “العدالة والتنمية” عمر جيليك التي سبقت بأيام تصريحات فيدان، حين كشف المسؤول الحزبي أن التطبيع بين أنقرة ودمشق لا يزال في المستوى الأول، مشيراً إلى أن هذا المسار يتكون من ثلاثة مستويات: استخباري ووزاري ورئاسي.

أولاً- مسار أمني قديم جديد

أولى المسارات هو المسار الاستخباري والمقصود فيه التفاهمات الأمنية، هذا المسار بدأ منذ “اتفاق حلب” نهاية 2016 وتعزز من خلال مسار “أستانا” وحضور الدول الضامنة، لذا أبدت دمشق تساهلاً للانخراط فيه بجدية، والتقى وزيرا دفاع البلدين في كانون الأول 2022 بموسكو، وما سهل الانطلاقة أيضاً وجود أرضية تمثلت بـ”تفاهم أضنة” لعام 1998، إلّا أن تطورات الأزمة السورية بعد 2011 جعلت طرفا التفاهم بحاجة إلى إعادة تعريف مصالحهما فيه بسبب تنوع السيطرات على الجغرافية الحدودية السورية- التركية، فمصالح ومطالب أنقرة في الحسكة تبدو واضحة بإنهاء العسكرة الكردية، فيما تختلف المصالح في ريف حلب الذي قد يبدي أردوغان تساهلاً أكثر تجاه تحقيق مصالح دمشق فيه، في حين لن يكون بمقدوره خلق واقع مختلف بشكل كبير في إدلب بتواجد “هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقاً)” التي ترسخ واقعاً مختلفاً هناك.

  ثانياً: مسار التعافي بأفخاخ عديدة

لعل تسمية المسؤول الحزبي للمسار الثاني بأنه وزاري يعكس أن هذا المسار يدور حول القضايا التقنية التي تركز عليها أنقرة، ولا بد من أن هكذا مسار سيكون مبنياً بالأساس على المسار الأمني، سيما أن جليك أشار إلى استمرار الجهود على صعيد أجهزة المخابرات، ولكن ذكر بأن هذه الجهود لم تصل بعد إلى المستوى الوزاري.

يتضمن هذا المسار نقاط غير مقبولة لدمشق كالتي ترتبط بالخطط التركية لتعزيز البنية التحتية في المناطق الخارجة عن سيطرة الحكومة السورية حالياً في شمال غرب البلاد وإعادة الإعمار لبحث قضايا ذات طبيعة خدمية اقتصادية بما يساعد أردوغان بتطبيق وعوده الانتخابية حول ترحيل اللاجئين من تركيا ليس إلى مناطقهم التي خرجوا منها، بل إلى مناطق حددها هو في شمال حلب التي تقع خارج سيطرة الحكومة السورية، وقد يستخدم هنا ذريعة أن هذه المناطق لم تحظ تاريخياً بحصتها من عوائد التنمية السورية وخلال الحرب تعرضت للتدمير، وأنه يسعى لحل المشاكل الخدمية هناك وتأمين استقرارها وإعمارها.

من الطبيعي أن لا تكون دمشق جاهزة للمضي مع أردوغان في هذا المسار فلا يمكن لدمشق السماح بعودة اللاجئين إلى الشمال وتجاهل حقهم بالعودة إلى مناطقهم الأصلية في مختلف المحافظات، وعودة أهالي مناطق الشمال إلى أراضيهم التي هجرهم منها أردوغان والفصائل التي دعمها.

ثالثاً: مسار رئاسي بلا عروض

لعل حديث جليك أنه “لا يوجد شيء حالياً للبت فيه من قبل الرؤساء”. هو اقتراب فعلي من الموقف السوري المطالب بنقاط توافق تبني أرضية للقاء المنتظر بين الرئيسين، ومن جهة أخرى إدراك تركي بأن المعضلة تكمن في المستوى الرئاسي الذي يحتاج إلى وقت كاف لحين اكتمال المسارين السابقين. لكن أردوغان يخشى تأجيل لقاء الرئيسين إلى أمد طويل، وهذا ما يوقعه في حرج، لذلك يمكن فهم سعي أردوغان لتسريع اللقاءات الأمنية والمضي في تطوير “أضنه”.

ختاماً

كل ما سبق يقود لاستنتاجات عديدة في مقدمتها اقتناع أردوغان أن الظروف الحالية تتيح له الحصول على تفاهمات واتفاقات بعيدة المدى مع سوريا. وثانيها أن استعجاله إلى اللقاء قد يكون لاقتناص الفرصة قبل الانتخابات الأميركية المقبلة وتجنب مضاعفات مرحلة ما بعدها. بالمقابل لم يقدم الرئيس التركي حتى الآن العرض المغري الذي يجذب الرئيس السوري على غرار إعلان الاستعداد للانسحاب، لذلك قد يضغط أردوغان على حليفه فلاديمير بوتين لتهيئة الأرضية اللازمة للقاء، وفرصته الحالية أن تقوم روسيا بدعوة الرئيس الأسد إلى قمة بريكس التي تستضيفها في مدينة قازان الشهر المقبل، هذا يعني أن ما نقلته صحيفة ملييت التركية عن أن اللقاء قد يجري في قازان ما هو إلا تمني تركي باعتبار أن دمشق لم تتلق دعوة للقمة بعد، وليس توافق بين روسيا وسوريا حتى الآن، سيكون المؤتمر فرصة لأردوغان لاقتناص “لقاء عابر” غير رسمي في الكواليس مع الرئيس الأسد، كما سبق وأجرى مصافحة تاريخية مع نظيره المصري عبد الفتاح السيسي على هامش افتتاح نهائيات كأس العالم لكرة القدم في قطر  2022 افتتحت مسار التطبيع بين البلدين، وحتى هذا السيناريو لا زال رهن موافقة دمشق.

سامر ضاحي 

اقرأ أيضاً