خاص|| أثر برس كانت قمة جدّة العربية الـ32 التي اسضافتها السعوديّة تتويجاً لمسار شاق قادته الرياض في المنطقة بالشراكة مع الأردن في الشهرين الماضيين، بدءاً من التحرّك الدبلوماسي اتجاه سوريا، ومروراً باجتماعَي جدّة وعمّان التشاوريين، فالطريق إلى القمّة والأحداث التي رافقته لم تكن أخف وقعاً من أصداء مشاركة الرئيس بشار الأسد في القمّة نفسها.
ومنذ كانون الأول 2018، عندما افتتحت الإمارات والبحرين سفارتيهما في دمشق، بدا أن هناك مساراً ما يتشكّل، ولا سيما أنّه من غير الممكن أن تتعارض سياسة البحرين خاصّةً مع السعودية في قضية مهمّة مثل سوريا، ومن ثم بدأت القاهرة إبداء رغبة بإعادة علاقتها مع دمشق بالتصريحات الرسميّة الإيجابية لمسؤوليها، وهذا شجّع الجزائر على قيادة الدور العربي لإعادة سوريا إلى مقعدها في الجامعة العربية في القمة الفائته في تشرين الثاني 2022، غير أنّ الجهود الجزائرية لم يُكتب النجاح لها.
وعُقب وقوع زلزال سوريا في شباط الفائت، شهدت المنطقة تطورات سياسية عربية اتجاه دمشق، تمثّلت بانفتاح دائرة التواصل لأبرز الزعماء العرب مع الرئيس الأسد للمرة الأولى، متجاوزةً الحظر الأمريكي المعلن لسوريا، وسط إعلان المصالحة السعودية – الإيرانية في 10 آذار الفائت بوصفها أبرز حدث إقليمي.
هندسة شرق أوسطٍ جديد
يرى معهد “بروكينز” الأمريكي، أنّ استدارة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان الأخيرة في المنطقة تمثّل هندسةَ شرق أوسطٍ جديد، ترتكز على تصفير المشاكل بالعودة إلى ما قبل اندلاع “الربيع العربي”، ولكن؛ هل طوت قمة جدة عقداً ونيّف من الحروب العربية – العربية؟ أم أنها كانت إعلاناً لحرب باردة؟
جسّد حضور الرئيس بشار الأسد الطاغي على مجريات القمّة انتصاراً دبلوماسياً سورياً يُضاف إلى الانتصار العسكري الذي أحرزته سوريا قبل سنوات، وهو ما يؤذن بالتعاطي معه من جديد في المنطقة، وفقاً لتحليل نشرته وكالة “رويترز”.
لقد استغل الرئيس الأسد في كلمته أمام الزعماء العرب بمن حضر منهم تثبيت موقف سوريا من الإخوانية التركيّة الأردوغانية، ومن ورائها القطرية، في مشهدٍ يشير فيه الرئيس الأسد إلى نقطة التقاء السياسة السعوديّة – السوريّة، وقد تكون بمنزلة إعلانٍ لها في المرحلة المقبلة.
وتعليقاً على ذلك، يرى الكاتب والباحث السياسي د. أسامة دنورة في حديث لـ “أثر”، أنّ “المشتركات السياسية بين سوريا والسعودية ومصر والإمارات واضحة في مواجهة الإخوان، ويمكن أن يبقى التفاهم السوري – السعودي في هذا الشأن كامناً إلى أن تسحب قطر خطابها الإخواني”.
ويشرح دنورة، أنّ “السعودية تنظر إلى النظام في قطر بوصفه خطيراً على استقرار المملكة، من حيث التوظيف في الداخل السعودي؛ فالرياض تحارب الفكر المتطرف وهي معركة ليست سهلة”.
ويضيف: إنّ “السعودية تدرك أن الدور القطري هو واحد من الأدوات الأمريكية للضغط عليها ضغطاً غير مباشر، أو بتحجيم دورها”، لافتاً إلى أنّ “مشروع تمكين الإخوان في المنطقة أتى بأمر من إدارة الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما، وكان الرئيس الأمريكي الحالي جو بايدن طرفاً في هذه الإدارة، فالخطر يبقى موجوداً”.
في المقابل، يشير تقرير نشره “معهد واشنطن”، إلى أن “عودة سوريا إلى المدار العربي تشكّل نقطة التقاء بين مسارَين مختلفين بين دول “مجلس التعاون الخليجي”، إنّما متساويَين من حيث الأهمية، يهدف أوّلهما إلى تخفيف التوتر بين الدول الخليجية، ومنافسيها الإقليميين”.
وأضاف التقرير، أنّ “المسار الثاني يشمل سعي دول المجلس إلى تخفيف حدّة التوترات الحالية بعضها بين بعض، ونزع فتيل أيّ صدامات مستقبلية داخل المعسكر نفسه، ولعلّ أبرز المؤشّرات إلى ذلك، تزامن الزيارة السعودية إلى دمشق مع إعلان الإمارات وقطر، في اليوم نفسه، أنّ العمل جارٍ بين البلدَين لاستعادة العلاقات الثنائية الكاملة وإعادة فتح السفارتَين”.
واشنطن – الرياض: اشتباك أم تفاهم
منذ أن بدأت المساعي السعودية المرتبطة بحضور سوريا في قمة جدة بالظهور إلى العلن، استمر الموقف الأمريكي الرافض للتطبيع مع سوريا، ومع إصدار وزراء الخارجية العرب قراراً يقضي بعودة سوريا إلى الجامعة العربية في 7 أيّار الجاري، قال متحدثٌ باسم الخارجية الأمريكية، إنّ “واشنطن لا تظن أن سوريا تستحق العودة إلى الجامعة العربية في هذه المرحلة”.
وفي أثناء ذلك، كان السؤال الأبرز في الأوساط السياسيّة، أنّه إلى أي مدى يمكن للرياض أن تتخذ قراراً بمعزل عن الإرادة الأمريكية في ذلك، ولا سيما أنّ وكالة “بلومبرغ” الأمريكية ذكرت ، أنّ “قرار عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية يصوّر تراجع نفوذ الولايات المتحدة الأميركية”.
وتعليقاً على ذلك، يرى د. أسامة دنورة، أنّ “التأثيرات بين الدول والقوى الكبرى موجودة وهذا يفرض نفسه على السياسة، غير أنها تتعرض للصعود والهبوط، وأنّ ضعف الانخراط الأمريكي في المنطقة أدّى إلى ضعف في النفوذ، إذ إنّ انسحاب واشنطن جزئياً من ملفات المنطقة ترك مجالاً لإنتاج سياسات ذات أولويات مختلفة، وأكثر استقلالية وارتباطاً بالمصلحة المباشرة لدول المنطقة”.
وتابع: “أي أن تكون المصلحة الوطنية هي الأولى والمصلحة العربية في الدرجة الثانية، وأن تكون مصلحة القوى الكبرى في الدرجة الثالثة، هذا يكون ترتيب منطقي لأولويات السياسيات الخارجية، وهذا لا يعني نهاية التأثير الأمريكي في المنطقة”.
ويربط دنورة بين ملف عودة سوريا إلى الجامعة العربية، وبين المصالحة السعوديّة- الإيرانية، قائلاً: إنّ “التفاهم بين السعودية وإيران أخذ شكلاً إقليمياً مستقلاً عن الأجندات الدولية، حيث توصّلت الرياض إلى تسوية مع طهران، بمعزل عن الاتفاق النووي الإيراني مع أمريكا والغرب”.
وأضاف: “إنّ واشنطن لا ترغب ضمناً في مواجهة طويلة الأمد مع طهران، فهي لا تمانع الوصول إلى حل بين السعودية وإيران؛ لأن التركيز اليوم يصب في المسرح الأوكراني ومسألة تايوان مع الصين، وتالياً إنّ أي خطوة من شأنها أن تبعد أمريكا عن مواجهة غير مرغوب بها، فإنه سيكون موضع غض بصر أو موافقة أمريكية ضمنية.
ومع أنّ صحيفة “ذا ناشيونال” الأمريكية، كشفت عن تشجيع أمريكي لاجتماع عمّان الخماسي الذي جرى في مطلع أيار الجاري بمشاركة سوريا، بحجة تناول البيان الختامي الأزمة الإنسانية في سوريا، على حين أفادت صحيفة “الأخبار” اللبنانية، بأنّه “في زيارة مساعدة وزير الخارجية الأمريكية لشؤون الشرق الأدنى بربارا ليف إلى بيروت في 24 آذار الفائت، ولقائها المسؤولين اللبنانيين، تحدثت ليف، أنه “لا فيتو أمريكي على عودة سوريا إلى الجامعة العربية، فإنه كان من اللافت إقرار لجنة العلاقات الخارجية في “مجلس النواب” الأمريكي، مشروع قانون يهدف إلى مواجهة التطبيع مع سوريا، وذلك بعدما عدّه مشرعون ديمقراطيّون وجمهوريّون في “الكونغرس”.
وفي هذا الصدد، أشار الكاتب والباحث السياسي د. أسامة دنورة لـ “أثر”، إلى أنّه “عندما نتحدث عن “الكونغرس” فإنه صلة وصل بين الرأي العام والإدارة الأمريكية، ويتأثر عادةً بالنمط الشعبوي للسياسات والإعلام، وسيكون في موقع الممانع لتغيير الصورة العامة التي أطلقها التيار العام في الإعلام، وفق ما تم الترويج له بخصوص سوريا، حتى ولو كانت السياسة الأمريكية في مكان آخر”.
وأضاف: “هذا منسجم مع المناخ في أمريكا، لأن ضرورات السياسة الخارجية لا يمكن أن تكون مدركة تماماً من الناخبين، إذ إن الإدارة الأمريكية تمتلك عدداً من الطرق الالتفافية ليكون لها سياستها الخاصة بعيداً عمّا يقرّه “الكونغرس”، لافتاً إلى أنّ “العامل الأهم في “الكونغرس” يبقى متمثلاً في النفوذ القوي لجماعة (AIPAC – اللوبي الاسرائيلي) على السيناتورات من الحزبين الجمهوري والديمقراطي على حد سواء، وهذا يبرر إلى حد بعيد أجندة “الكونغرس” التي تستهدف سوريا بقرارات متلاحقة يمكن لـ “إسرائيل” أن تستخدمها ضمناً كعوامل مساومة وضغط على سوريا”.
يُشار إلى إنّ الاعتبارات الواقعية للسياسة الأمريكية، وعلى الرغم من عدم وجود تساهل في خصوص التقارب العربي مع سوريا، فإنها تتفهّم إرادة حلفائها، وهذا يقترب من الموافقة الضمنية، بعيداً عن مقاربة “الكونغرس” النظرية في هذا الشأن، وفي سياق ذلك أكد الكاتب السعودي د. أحمد الشهري، أنّ “التقارب السعودي مع الدولة السوريّة كان نتيجةً لتشظي المعارضة وشرذمتها، على حين كان من الضرورة التواصل مع حكومة دمشق للوصول إلى حل للأزمة السورية”، وفقاً لقناة “الحرة” الأمريكية.
علي أصفهاني