أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية أمس الخميس عن مقتل متزعم تنظيم “داعش” ذو النجم الخفي والمدعو أمير عبد الرحمن المولى، والملقّب بـ” أبو إبراهيم القرشي” وغيرها العديد من الألقاب، إثر غارة أمريكية على مدينة أطمة في إدلب، أودت بحياة 13 مدني بينهم نساء وأطفال.
من هو عبد الرحمن المولى؟
بحسب تقرير نشره”يورو نيوز” فإن متزعم “داعش” كان عام 2004 مسجوناً في سجن “بوكا” الأمريكي والتقى هناك بسلفه “أبو بكر البغدادي” وبعدما أُطلق سراحه لأسباب “غير معروفة”، انضم إلى زميله في السجن، الذي سيطر عام 2010 على الفرع العراقي من تنظيم “القاعدة”، قبل إنشاء “تنظيم داعش في العراق”، ثم “تنظيم داعش في العراق والشام” بحسب “يورو نيوز”، وتولى “عبد المولى” منصبة في نهاية تشرين الأول من عام 2019 أي فور اغتيال “أبو بكر البغدادي”.
وأفاد موقع “المكافآت من أجل العدالة” التابع للحكومة الأمريكية، بأن المولى، الذي يعرف أيضاً باسم “حجي عبد الله”، كان باحثاً دينياً في المنظمة السابقة لـ”داعش”، ليتولى فيما بعد دوراً قيادياً في صفوف التنظيم.
واللافت أنه عند اختيار “المولى” كخلف لـ”أبو بكر البغدادي” أشارت الأمم المتحدة في تقرير أصدرته في كانون الثاني من عام 2020، إلى أن المولى هو “خيار موقت، إلى حين إيجاد التنظيم من يتحلى بشرعية أكبر”.
جهات عدة أعلنت دورها في العملية الأمريكية:
تعددت الجهات التي أعلنت عن دورها في العملية الأمريكية، حيث أكدت وسائل إعلام عبرية أن “إسرائيل” كانت على علم مسبق بها، وكان لها دوراً استخباراتياً، حيث نقلت قناة الـ13 العبرية عن مصادرها قولها: “إن إسرائيل ساعدت الولايات المتحدة في تعقب القرشي، من خلال تقديم بيانات استخباراتية، واستفادت من مصادر خاصة بها داخل سوريا أسهمت في إنشاء نافذة استخباراتية أتاحت لواشنطن التصرف”.
كما أفادت صحيفة “يديعوت أحرونوت” العبرية، صباح اليوم الجمعة، بأن الولايات المتحدة الأمريكية قد أبلغت “إسرائيل” مسبقاً بالعملية العسكرية الخاصة باغتيال زعيم تنظيم “داعش”.
وكذلك أعلن الناطق الإعلامي للقائد العام للقوات المسلحة العراقية يحيى رسولي، في تغريدة عبر حسابه الرسمي في “تويتر”: “إن عملية قتل متزعم داعش نُفذت بعد أن زود جهاز المخابرات الوطني العراقي التحالف الدولي بمعلومات دقيقة، قادت إلى الوصول إلى مكانه وقتله”.
وفي هذا الصدد، تشير صحيفة “الأخبار” اللبنانية إلى أن هذه العملية جاءت بعد نحو 3 أيام على قيام تركيا بتنفيذ عملية عسكرية استهدفت مواقع في العراق وسوريا، طالت مقرّات وقياديين في “قوات سوريا الديموقراطية-قسد” وسط صمت أمريكي، الأمر الذي دفع “قسد” إلى تحميل “التحالف الدولي” الذي تقوده واشنطن مسؤولية تلك الهجمات، عن طريق فتح الأجواء أمام الطائرات المسيّرة التركية، ما يفتح الباب بدوره أمام احتمالات عديدة، من بينها وجود صفقة غضّت بموجبها الولايات المتحدة طرفها عن الهجمات التركية، مقابل تقديم أنقرة معلومات وتسهيلات لتنفيذ عملية اغتيال القرشي، والتي تحتاج إليها واشنطن بشكل كبير بعد انتكاسة الحسكة.
وبدورها أفادت صحيفة “الأخبار” اللبنانية بأن مصادرها أشارت إلى أنه من غير المستبعد مشاركة متزعم تنظيم “جبهة النصرة” المدعو “أبو محمد الجولاني” بهذه العملية، مشيرة إلى أن “الجولاني” قد يكون “الجولاني” سلّم المعلومات الكاملة عن مكان إقامة زعيم “داعش”، في بلدة أطمة، كما فعل في عمليات سابقة تمّ من خلالها استهداف قادة في تنظيم “حراس الدين”، المنافِس الأقوى للجولاني، الذي سيُنظر إليه على أنه مساهِم في التخلّص من اثنَين من زعماء أخطر تنظيم متطرّف في العالم.
العملية مرتبطة بهجوم “داعش” على سجن الصناعة في الحسكة:
نقلت صحيفة “الأخبار” عن مصادر أمنية في المحافظة، تأكيدها على أن “المعالم الأولى للعملية الأمريكية، بدأت عقب تنفيذ داعش الهجوم على سجن الثانوية الصناعية في مدينة الحسكة، وتمكّن عدد من قيادات الصفّ الأول من الفرار من السجن، والوصول إلى إدلب” مضيفة أن “القوات الأمريكية تعقّبت قيادياً بارزاً في التنظيم، تمكّن من الفرار والوصول إلى إحدى المناطق في الشمال السوري، والتي يبدو أنها المنطقة نفسها التي جرت فيها عملية الإنزال أمس”.
وكشفت المصادر أن “المعلومات الميدانية تشير إلى أن القياديّ البارز الفارّ قد قُتل في العملية إلى جانب أمير داعش”، مرجّحةً أيضاً “مقتل أو إصابة القياديَّيْن البارزيْن في التنظيم، أبو خالد العراقي، وأبو حسين خطّاب، في العملية نفسها، حيث كانا إلى جانب القرشي”.
متى قررت واشنطن القضاء على “عبد المولى”؟
يبدو من خلال الجهات التي شاركت في العملية الأمريكية، أن واشنطن وظّفت كل ما تملك من علاقات وقوة بهدف تنفيذ هذه العملية بنجاح، ما يعني أنها كانت بحاجة إلى الإعلان عن “إنجاز معين” الأمر الذي يبرز بتوصيفات القادة الأمريكيون الذين وصفوا العملية بـ”العلامة الفارقة والناجحة” وغيرها من الصفات، بالرغم من أن المستهدف هو شخصية قلّما سطع نجمها وذاع صيتها عند الحديث عن نشاط تنظيم “داعش” وبحسب تقرير الأمم المتحدة عام 2020 فإن تسلّمه لمنصب متزعم التنظيم المذكور كان أمراً “مؤقتاً” ريثما يتم اختيار الشخصية الأكثر كفاءة لهذا المنصب.
وفي هذا الصدد نشرت صحيفة “الشرق الأوسط” مقالاً تحليلاً أشارت خلاله إلى أن “مقتل القرشي يمثّل نصراً من نوع ما للرئيس الأمريكي الحالي جو بايدن، الذي يعاني من تراجع في شعبيته نتيجة أسباب عدة، لكنّ “نصره” هذا لا يقارَن بنصر سلفه دونالد ترمب، الذي نجح في قتل البغدادي قبل أكثر من عامين، فالأخير ارتبط في أذهان الأمريكيين على مدى سنوات بعمليات قطع الرؤوس والتفجيرات وعمليات السبي، في حين أن القرشي، وهو أصلاً من المقلّين من الكلام، لم يسمع به ربما سوى قلة من المعنيين بشؤون هذا التنظيم”، منوّهة إلى أن الاستفادة التي حققتها واشنطن من مقتل القرشي، ستمتد إلى جماعة “هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة وحلفائها)”.
يبدو من خلال المعطيات المذكورة أن واشنطن أردات من خلال هذه العملية، أن تُثبت لحلفائها قبل أعدائها أنها لا تزال قادرة تحقيق انتصارات والسيطرة على تنظيم “داعش”، لا سيما بعد حادثة سجن “الصناعة” في الحسكة الذي تمكن “داعش” خلالها من السيطرة عليه لمدة 8 أيام، وتسببت بفرار العشرات من مسلحي التنظيم من السجن، في الوقت الذي تزداد فيه التحذيرات من خطر عودة “داعش” عالمياً.