خاص|| أثر برس لم تنجح الخطة الحكومية الرامية إلى تثبيت سعر صرف الليرة في الحد من ارتفاع أسعار السلع والمواد، إذ لاتزال الأسواق المحلية تسجل زيادة ملحوظة- وإن كانت تدريجية- في أسعار مختلف السلع، الغذائية منها وغير الغذائية. الأمر الذي يعني أن مزيداً من الأسر السورية هبطت -وستهبط – إلى دائرة انعدام الأمن الغذائي الشديد أو متوسط الشدة. وللتذكير فإن مسح الأمن الغذائي الذي تم في نهاية العام 2020 خلص إلى أن 8.3% من الأسر التي شملها المسح تعاني من انعدام شديد في أمنها الغذائي، في حين أن 47.2 % من الأسر صنف أمنها الغذائي في خانة الانعدام المتوسط، وفقط 39.4 % من الأسر المبحوثة قيل إنها تتمتع بأمن غذائي مقبول، إلا أنها تبقى معرضة لانعدام أمنها الغذائي نتيجة أي صدمة. أما الأسر الآمنة غذائياً فإن نسبتها لم تتعد 5.1%. ومن دون شك فإن هذه النسب شهدت تغييراً كبيراً خلال الأشهر الماضية.
اليوم هناك تقديرات وأرقام كثيرة حول حجم الإنفاق المطلوب لتؤمن الأسرة السورية احتياجاتها الأساسية، بعض هذه التقديرات ينسب إلى مهتمين بالشأن العام وأكاديميين، وبعضها الآخر لا يعرف مصدرها، لاسيما في ظل استمرار غياب أي تقديرات إحصائية رسمية تتعلق بدخل ونفقات الأسرة.
54 سلعة غذائية!
هنا محاولة بسيطة قام بها موقع “أثر برس” للوقوف على حجم الإنفاق المطلوب للأسرة وإتاحة الفرصة للقارئ لمقاربة الوضع المعيشي بشكل واقعي، حيث تم اختيار ما يقرب من 64 سلعة غذائية رئيسية لا يمكن الاستغناء عنها، وبناء على بيانات مسح دخل ونفقات الأسرة الذي جرى في العام 2009 تم تحديد متوسط استهلاك الأسرة من كل سلعة شهرياً، ومحاولة حساب متوسط إنفاق الأسرة حالياً وفق الأسعار الرائجة على استهلاك تلك السلع إفرادياً وبشكل إجمالي. مع الأخذ بعين الاعتبار الملاحظات التالية:
-إن كمية الاستهلاك المعتمدة هي متوسط استهلاك الأسرة وفق بيانات العام 2009، وتالياً فإن كمية الاستهلاك تختلف بين أسرة وأخرى، فضلاً عن أن هذه الكميات خلال سنوات الحرب اختلفت تحت ضغط عدة أسباب، إنما ليس هناك بيانات منتجة بشكل علمي حول ذلك.
-تم اعتماد الأسعار الأقل للسلع في أسواق دمشق، وأحياناً الأسعار الصادرة عن وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك، وتالياً فإن قيمة الإنفاق المقدر يمكن أن يكون أعلى من الرقم المعتمد في دراسة أثر برس.
-تم فصل أنواع الفواكه المختارة عن قائمة السلع الغذائية واختصار أنواعها، نظراً لوجود أسر كثيرة لا يتناول أفرادها الفواكه أو ليس بمقدورهم شراؤها.
-في السلع المختارة لم ترد الحلويات أو أي من السلع التي يمكن أن تكون أقرب إلى “الرفاهية” بالنسبة للأسر الفقيرة.
وقد خلصت تلك المحاولة إلى نتائج صادمة بالفعل. إذ تبين أن الأسرة السورية بحاجة إلى أكثر من 657 ألف ليرة للإنفاق على شراء احتياجاتها من 64 سلعة غذائية، منها 56 مادة تتنوع بين خضار وسلع غذائية ضرورية كاللحوم والسكر والبقوليات وغيرها، وهذه السلع تكلف الأسرة ما متوسطه 635 ألف ليرة. وإلى جانب تلك السلع تم اختيار ثمانية أنواع من الفواكه فقط، وقد بلغ متوسط تكلفتها على كل أسرة حوالي 22 ألف ليرة شهرياً.
وبحسب الجدول المرفق، فإن الأسرة النباتية- أي التي استغنت عن جميع أنواع اللحوم- ستكون مضطرة لإنفاق حوالي 531.5 آلاف ليرة شهرياً بغية تأمين احتياجاتها من حوالي 53 مادة أساسية، أما الأسرة التي صرفت النظر عن استهلاك اللحوم الحمراء فقط، فإن متوسط إنفاقها الشهري المطلوب يتجاوز 582 ألف ليرة.
هذا فقط فيما يتعلق بمتوسط الإنفاق المطلوب على الغذاء، ولم نتطرق إلى ما تحتاجه الأسرة من إنفاق على الصحة، التعليم، النقل، الإيجار، الخدمات العامة من كهرباء ومياه واتصالات وغير ذلك من العناصر والفئات التي تشكل سلة الاحتياجات اليومية للأسرة السورية. لكن كم هو عدد الأسر التي لاتزال قادرة على شراء 60 بيضة شهرياً في ظل الارتفاع الجنوني في أسعار المادة؟ ومن هي الأسر التي بمقدورها شراء 7 كغ من لحوم الدجاج شهرياً؟ وهل السكر بمتوسط استهلاكه السابق، والبالغ 11 كغ، لايزال حاضراً على مائدة جميع الأسر؟
أبعد من ذلك…
إذا كانت الأسرة السورية ما قبل عام 2011 تخصص حوالي 40% من متوسط إنفاقها الشهري على الغذاء، فهذا يعني أن الأسرة حالياً بحاجة إلى إنفاق أكثر من 1.6 مليون ليرة شهرياً لتعيش بمستوى عام 2009 فقط مع اختصار كثير من السلع…. والسؤال: أين هي فرصة العمل التي تؤمن شهرياً مثل هذا المبلغ اليوم؟ وما هي نسبة الأسر التي لاتزال تعيش اليوم بالمستوى نفسه الذي كانت عليه قبل الحرب؟
معدل تضخم كبير!
وتأكيداً على الارتفاع المستمر في أسعار السلع والمواد، فإن مقارنة متوسط الإنفاق المطلوب اليوم مع متوسط الإنفاق المطلوب قبل حوالي 15 شهراً يظهر أن المتوسط تضاعف بشكل واضح. إذ إن هذه المقاربة البسيطة كان جرى إعدادها أيضاً في حزيران من العام 2020 وخلصت آنذاك إلى أن متوسط إنفاق الأسرة جراء استهلاكها لحوالي 64 مادة وفق الكميات الواردة في مسح دخل ونفقات الأسرة لعام 2009 بلغ آنذاك حوالي 270 ألف ليرة، الأمر الذي يعني أن متوسط الإنفاق المطلوب للأسرة زاد بين حزيران من عام 2020 وتشرين الأول من عام 2021 بأكثر من 141%.
ولو عدنا إلى قائمة السلع المشار إليها فإننا سنجد أن أسعار كل منها زادت بشكل مختلف عن الأخرى، فمثلاً زادت أسعار مادة البيض بنسبة تصل إلى 300%، الطحين واللبن بنسبة 200%، الشعيرية والمعكرونة بحوالي 116%، زيت نباتي والسمون بحوالي 164%، لحم الدجاج بحوالي 150%، وحتى أسعار الدخان الوطني زادت بنسبة تصل إلى حوالي 200% وفق نشرة الأسعار الرسمية، في حين أنها زادت فعلياً وفق الأسعار التي تباع بها بنسبة تصل إلى 500%…الخ.
زياد غصن