زياد غصن || أثر برس بحسب التصريح الأخير لوزير الكهرباء غسان الزامل، فإن الوزارة تدرس زيادة تعرفة الاستهلاك بحجة تمويل مشروعات الوزارة، والتي تقدر قيمتها هذا العام بحوالي 508 مليار ليرة.
لم يكن متوقعاً أن تخرج وزارة الكهرباء في حلولها عن دائرة التفكير الحكومية القائمة على اللجوء إلى الحلول الأسهل في تأمين الإيرادات، وإن كانت مدمرة بالنسبة للوضع المعيشي للمواطنين، وللقطاعات الاقتصادية كافة من الصناعة إلى الزراعة فالخدمات، وربما هذا هو الشيء الوحيد الذي يجمع بين جميع الوزارات.
لكن هل هناك حلول أخرى غير رفع تعرفة الاستهلاك؟
من دون أدنى شك هناك حلول كثيرة، إنما جميعها تحتاج إلى عمل وإخلاص ووقت، وهذا الثالوث هو ما تكرهه الحكومة الحالية، فمثلاً في قطاع الكهرباء، وقطاعات أخرى سوف نتطرق لها لاحقاً، يكفي العمل على تخفيض نسبة الهدر والفساد الحاصلة لتوفير إيرادات تكفي لتمويل مشروعات موزعة على عدة سنوات.
في الجزء الأول من هذا الملف سوف نركز على قيمة الفاقد الفني الحاصل في قطاع الكهرباء، مستعينين ببعض البيانات والأرقام الإحصائية ومقاربتها بغية محاولة تقدير لقيمة المبالغ التي يمكن توفيرها فيما لو اعتمدت وزارة الكهرباء خطوات عملية جادة وناجحة للحد من نسبة الفاقد الكهربائي.
بالأرقام:
وفق تقديرات ما قبل الحرب، فإن التقديرات المتعلقة بالفاقد الفني لشبكة الكهرباء كانت تتراوح ما بين 25-40%، وهذا كان تحدياً رئيسياً لقطاع الكهرباء، إلا أن الحكومات المتعاقبة كانت دوماً تفشل في معالجة هذه المشكلة لأسباب مختلفة متعلقة أحياناً بمستوى أداء وزارة الكهرباء وجديتها في تخفيض ذلك الفاقد عبر تحديث خطوطها وملاحقة ظاهرة الاستجرار غير المشروع، وأحياناً أخرى بتموضع ذلك الفاقد، وخاصة ظاهرة الاستجرار غير المشروع.
ورغم كل المؤشرات التي تؤكد أن ظاهرة الفاقد زادت بشكل كبير خلال سنوات الحرب بسبب اتساع دائرة التعديات على الشبكة الكهربائية، وتضرر أجزاء المنظومة الكهربائية، إلا أن مسؤولي الوزارة يؤكدون أن نسبة الفاقد بحدود 26% وفقاً لتقديرات وزير الكهرباء الحالي في شهر أيار من العام الماضي، في حين أن بيانات المكتب المركزي للإحصاء تتحدث عن أن نسبة الفاقد واستهلاك الوزارة تصل إلى حوالي 29.5% في العام 2020.
ومع ذلكن سوف نعتمد نسبة الفاقد التي قالها الوزير ونجري المقاربة التالية…
وفقاً للبيانات الخاصة التي حصلنا عليها، فإن إنتاج الطاقة الكهربائية في العام 2022 بلغ أكثر من 16 مليار كيلو واط ساعي، وتالياً فإن نسبة الفاقد الفني منها تبعاً لتقديرات الوزير المذكورة سابقاً تقدر بحوالي 4.160 مليارات كيلو واط ساعي، أي أن هناك هدراً تصل قيمته إلى حوالي 3120 مليار ليرة وفقاً لتقديرات الوزير الأخيرة المتعلقة بتكلفة الكيلو الواط الساعي الواحد، والبالغة حوالي 750 ليرة.
لكن لنكن موضوعيين، فالوضع الراهن للشبكة الكهربائية يجعل من عملية “تصفير” الهدر الفني أمراً شبه مستحيل، لكن مكافحة الاستجرار غير المشروع ومعالجة أسبابه ليست بالمهمة الصعبة، بل هي عملية متاحة، وعلى ذلك لنعتبر أن الوزارة تمكنت من خفض الهدر أو الفاقد إلى 15%، وتالياً توفير ما يقرب من 1320 مليار ليرة هي قيمة 1760 مليار كيلو واط ساعي كانت تهدر أو تسرق…
ماذا يعني هذا الرقم؟
يعني التالي:
-أنه يمثل ما نسبته 62.5% من إجمالي اعتمادات بند الرواتب والأجور في الموازنة العامة للدولة للعام الحالي، أي أنه يمكن في حال إيقاف هذا الهدر أو تخفيضه بنسبة 11% رفع رواتب العاملين في مؤسسات الدولة بنسبة 62%.
-أنه يشكل ما نسبته حوالي 259.8% من قيمة المشروعات التي تتحجج بها وزارة الكهرباء لرفع قيمة تعرفة الاستهلاك. أي أن الوزارة بإمكانها تنفيذ تلك المشروعات وتوفير حوالي 812 مليار ليرة، ومن من دون زيادة ليرة واحدة على تعرفة الاستهلاك.
-أنه يشكل ما نسبته 24% تقريباً من حوالي 5500 مليار ليرة يقال إنها الإيرادات المتحققة فعلياً للخزينة العامة في العام الماضي. أي أن وزارة المالية كان بإمكانها تخفيف تشددها بتنفيذ سياسة الجباية التي خنقت الاقتصاد الوطني خلال الفترة الماضية، وتركز جهودها على محاربة الهدر في الإنتاج واستثمار الثروات الوطنية.
-أنه يشكل ما نسبته 33% من قيمة الديون المترتبة لوزارة النفط على وزارة الكهرباء والبالغة أكثر من 4 آلاف مليار ليرة، أي الوزارة قادرة خلال ثلاث سنوات فقط تسديد جميع ديونها وحل مشكلة التشابكات المالية مع الجهات العامة وتحقق بذلك سبقاً على جميع وزارات ومؤسسات الدولة.
مسؤولية الوزارة:
أعرف أن معالجة مشكلة الفاقد الفني يحتاج إلى دعم ومساندة حكومية واسعة، لكن مادامت وزارة المالية تحظى بمثل هذا الدعم رغم تأثيرات عملية الجباية التي تنتجها على العملية الإنتاجية والأوضاع المعيشية، فإن وزارة الكهرباء لديها الفرصة نفسها، إنما يبدو أن المشكلة تبدو لديها. فالفاقد له وجهان: الأول فنياً مرتبطاً بخطوط النقل والتوزيع، وهو تالياً من مسؤولية جميع مؤسسات الوزارة وشركاتها. والوجه الثاني يتمثل في الاستجرار غير المشروع ومسؤولية معالجته تقع على عاتق مؤسسة التوزيع وشركاتها في المحافظات. وأسباب هذا الاستجرار ليست دوماً محصورة بالمستهلكين وإنما أيضاً بإجراءات الوزارة وتعقيدات نظام الاستثمار الموضوع وعدم تنسيقها مع الوزارات الأخرى.
في جميع الحالات، فإن تأخر وزارة الكهرباء في تنفيذ إجراءات عملية لمعالجة مشكلة الفاقد الفني يعني استمرار هدر آلاف المليارات من الليرات وإضعاف وثوقية الشبكة وعدم تحقيق عدالة التوزيع.