أثر برس

كتب زياد غصن.. الإجراءات القسرية في مواجهة المشاكل الاقتصادية: معارك الكر والفر غير مجدية

by Athr Press G

زياد غصن || أثر برس أزالت محافظة دمشق قبل أيام قليلة معظم البسطات، التي كانت تتجمع في مناطق معينة من أحياء العاصمة كالبرامكة، الحلبوني، جسر الثورة، الحميدية، وغيرها.

ورغم تأكيد مسؤولي المحافظة أن إزالة البسطات هو قرار لا رجعة عنه وسوف ينفذ بحزم، إلا أن ذلك لم يمنع بعض البسطات من معاودة الانتشار في ساعات ما بعد العصر، أي بعد انتهاء دوام موظفي الدولة، لكن مع ترتيب العاملين عليها لإجراءات خاصة تمكنهم من الفرار في حال حدوث “كبسة” من عناصر شرطة المحافظة.

الخطوة التي كان ينتظرها كثيرون لأسباب عدة، تباينت الآراء من طريقة التنفيذ التي تمت بها، بين مؤيد يرى أن اتساع انتشار البسطات خلال الفترة الماضية بات مزعجاً للمارة ونظافة الأحياء وأمنها، وبين معارض يعتقد أنه كان يمكن تنفيذها بآلية أخرى من دون أن تتسبب بفقدان مئات الأسر للدخل الذي تعتاش عليه.

هذه ليست المرة الأولى التي تلجأ فيها إحدى مؤسسات الدولة إلى سلك طريق الإجراءات الإدارية القسرية لمواجهة مشكلة اقتصادية واجتماعية ما، وبمعزل عن أي إجراءات اقتصادية موازية تتجه إلى معالجة الجذر الاقتصادي والاجتماعي للمشكلة، وهذا يكاد يشمل معظم المشاكل والظواهر من التهريب، إلى التعامل مع سعر الصرف، فالمخالفات المرتبطة بالبناء والأسواق، وكذلك الجرائم الجنائية وحتى مشكلة البسطات، وتالياً فإن استمرار هذه الظواهر والمشاكل رغم الاتجاه الحكومي المستمر إلى تشديد العقوبات يبدو طبيعياً ما دامت أسباب تلك الظواهر والمشاكل ما تزال حاضرة وضاغطة.

ولمزيد من الإيضاح سوف نسقط ما سبق ذكره على ملف معالجة محافظة دمشق لظاهرة البسطات والأكشاك، وتحديداً الأكشاك التي اعتبرتها المحافظة غير نظامية، فالمحافظة في معالجتها الأخيرة لم تقف على الأبعاد الاقتصادية الاجتماعية للظاهرة، وما سوف يترتب على إجراءاتها الإدارية القسرية، المتمثلة في تكليف دوريات شرطة المحافظة بمصادرة البسطات المخالفة، من وقف مصدر دخل آلاف الأسر التي تعتاش عليها بشكل مباشر أو غير مباشر، والتسبب بخسائر كبيرة جراء عمليات المصادرة أو تلف السلع التي لم يتمكن أصحابها من بيعها، وما إلى ذلك من تأثيرات.

ولذلك يمكن القول: إن الخطوة الأولى التي كان يفترض بالمحافظة أن تقدم عليها تتمثل في طرح سؤال جوهري، والإجابة عليه بكل مسؤولية وجرأة، وبناء على ذلك يمكنها أن تنتقل إلى تحديد الإجراءات العملية وتنفيذها. هذا السؤال هو: هل المطلوب معالجة مشكلة انتشار البسطات أو قمع وإزالة البسطات؟

وفقاً لما نفذته المحافظة من إجراءات فإن هدفها على ما يبدو كان قمع ظاهرة البسطات وإزالتها من الشوارع والأحياء، وإن كانت المحافظة قد تحدثت لاحقاً عن خطوات لتخصيص أصحاب البسطات بمحلات ضمن أسواق سوف تعد لهذه الغاية.

أما لو كان هدف المحافظة هو معالجة المشكلة، فقد كان عليها أن تعمل على ما يلي:

-إجراء مسح دقيق يرصد واقع ظاهرة البسطات ويوفر قاعدة بيانات دقيقة عنها، أماكن انتشارها، حجمها، عدد الأسر التي تعتمد في دخلها على البسطات، عادات الاستهلاك التي تشجع مثل عمليات البيع هذه.

-تحديد البدائل الاقتصادية المناسبة، التي يمكن العمل عليها لتعويض الأسر المستفيدة من البسطات، والبدء بتنفيذها قبل المباشرة عمليات المصادرة والمنع، إذ إن القضاء النهائي على الظاهرة يتطلب معالجة جذور حضورها وانتشارها وبما يضمن عدم عودة الممتهنين لممارستها.

-تحديد الأسواق التي سوف تخصص لتكون بديلاً عن البسطات والبدء بإجراءات التنفيذ بحيث يشعر أصحاب البسطات بالاطمئنان حيال مصير أعمالهم وأن معالجة مشكلة البسطات ليست موجهة ضدهم وضد مصادر رزقهم ودخلهم.

-تحديد فترة زمنية يتم خلالها قبل الطلبات واستلام المقاسم وإخلاء الأماكن الحالية للبسطات، مع تأكد من أن أصحاب البسطات هم المستفيدين من البدائل الاقتصادية المتاحة، وليس أشخاص آخرين، ولذلك قلنا بضرورة توفر قاعدة بيانات أولية.

وما سبق ينطبق على جميع الظواهر الاقتصادية والاجتماعية غير الشرعية، التي لا يمكن معالجتها من دون النفاذ إلى أسبابها وظروف نشأتها وانتشارها، ولهذا تستمر ظواهر ومشاكل خطيرة كالتهريب مثلاً لسنوات وعقود طويلة، فالإجراءات تعتمد على الجانب الإداري القسري والزجري فقط، إما لقصور رؤية المعالجة والحل، أو لأن هناك من لا يريد القضاء نهائياً على تلك المشاكل لغاية في نفس “يعقوب”.

اقرأ أيضاً