زياد غصن – خاص || أثربرس على خلاف ما ذهبت إليه التوقعات، فإن الصين لا تزال تفضل التريث في توسيع مجالات تعاونها الاقتصادي والاستثماري مع سوريا رغم موقفها السياسي الصريح منذ بداية الأزمة السورية، والذي عبرت عنه باستخدامها حق النقض “الفيتو” في مجلس الأمن بما يقرب من 16 مرة.
في ملف التعاون الاقتصادي المؤجل قيل الكثير. فهناك من ربطه بمخاوف الشركات الصينية من التعرض للعقوبات الأمريكية في حال توجهها للاستثمار في السوق السورية، وهناك من يعتقد أن بكين تنتظر عودة الاستقرار تماماً إلى سوريا لترفع من مستوى استثماراتها فيها رغم الإعلان رسمياً عن انضمام دمشق إلى مبادرة الحزام والطريق، وفريق ثالث يعتبر أن الأمر بحاجة إلى قرار سياسي واضح من القيادة الصينية بهذا الشأن، وهو لم يتخذ حتى الآن.
أياً كانت الأسباب، فإن تصاعد الخلاف الأمريكي-الصيني، والذي وصل إلى ذروته مع زيارة رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي إلى تايوان، يطرح تساؤلات ما إذا كان ذلك سيكون سبباً في تغير مقاربة السياسة الصينية الخارجية لبعض الملفات الإقليمية والدولية ومن بينها بالطبع الملف السوري، وتحديداً فيما يتعلق بالجانب الاقتصادي، بحيث يتخلى الصينيون عن حذرهم حيال توسيع استثماراتهم في سوريا، سواء لجهة الحجم والقيمة أم المجالات والقطاعات التي يمكن أن تشملها.
إلى الآن ليست هناك مؤشرات يمكن البناء عليها في استنتاج ملامح التوجه الصيني الجديد بعد أزمة تايوان الأخيرة، لكن عملياً هناك وجهات نظر متعددة حيال هذه المسألة منها:
-هناك من يعتقد أن فلسفة السياسة الصينية في مقاربتها للملفات الخارجية لا تقوم بناء على ردات الفعل، فهي تعمل وفق مبدأ “النفس الطويل”، ولذلك علينا ألا نتوقع تغيراً نوعياً في مجرى ومستوى العلاقات الاقتصادية الصينية السورية خلال الفترة القادمة كجزء من ردة فعل بكين على الموقف الأمريكي من تايوان وعلاقتها بالصين. وإنما ستحافظ تلك العلاقة على واقعها الراهن مع بعض التقدم في هذا الملف أو ذاك.
-وجهة نظر أخرى ترى أن بكين تنتظر تحسن الأوضاع السياسية في سوريا فقط لتتجه نحو خيار تطوير مستوى العلاقة الاقتصادية معها انطلاقاً من أهمية الأخيرة في إنجاح مشروع الحزام والطريق، فضلاً عن الحجم الكبير للفرص الاقتصادية الموجودة فيها بعد سنوات الحرب المريرة، خاصة في المجالات التي أبدعت فيها الشركات الصينية كقطاعات البناء، الطاقة، التكنولوجيا، وغيرها. الأمر الذي يعني بحسب مؤيدي هذا الرأي أن هذا الملف لن يتأثر بشكل مباشر بأزمة تايوان. أي أن بكين ستبقى تتحرك في علاقاتها مع دمشق ضمن إطار الدعم الإنساني واللوجيستي، فهي مثلاً وقّعت حوالي 5 اتفاقيات مع الجانب السوري لتقديم مساعدات مجانية ومنح، وقع آخرها العام الماضي بقيمة 100 مليون إيوان صيني. وقد جرى استخدام المنح السابقة لتقديم معدات تصب في المجال الإنساني وتخفيف المعاناة في مجالات الكهرباء، النقل داخلي وغيرها. وهناك قائمة موضوعة من الاحتياجات تم الاتفاق على تقديمها خلال زيارة الوزير الصيني في العام الماضي كمعالجة النفايات الصلبة، تجهيزات صحية ودوائية، علاجات للمكفوفين، تجهيزات اتصالات، … إلخ. كما أن الصين قدمت أيضاً مساعدات غذائية ومساعدات في مجالات التعامل مع جائحة كوفيد-19، وهناك تعاون كبير في مجال التدريب، حيث قدمت الصين دورات فردية وجماعية، إضافة إلى شهادات ماجستير تخصصية في الدراسات العليا.
-وجهة النظر الثالثة يذهب أصحابها إلى القول: إن التصعيد الأمريكي الأخير مع الصين سوف يدفع الأخيرة إلى مراجعة علاقاتها الخارجية مع دول تؤيدها سياسياً في موقفها من أزمة تايوان وتدعم سيادتها على الجزيرة. وهي في الوقت نفسه دول تناصبها واشنطن العداء وتحاول دوماً زعزعة استقرارها. وفي الحالة السورية وإضافة إلى ما ذكر آنفاً، فإن تعزيز الحضور الاقتصادي الصيني في سوريا يشكل امتداداً طبيعياً لسياسة بكين الراغبة بتوسيع مساحة حضورها في المنطقة بدءاً من دول الخليج مروراً بالأردن ومصر وصولاً إلى لبنان والعراق وغيرهما.
لكن، إذا ما قدر فعلاً لوجهة النظر الثالثة أن تجد طريقها إلى التنفيذ، فما هي الاستثمارات التي قد تغري الصينين لدخول السوق السورية رغم مخاطرة التعرض للعقوبات الأمريكية؟
في ظل تعثر أو تباطؤ الاستثمارات الروسية، والإيرانية في بعض المواضع، فإن الفرصة تبدو سانحة في جميع المجالات أمام الشركات الصينية، وقبل حوالي عام، وخلال زيارة وزير الخارجية الصينية والوفد المرافق له إلى دمشق، عرض الجانب السوري مجموعة من المشروعات ذات البعد الاستراتيجي والمرتبطة بالمشروع الصيني الحزام والطريق، منها في مجال النقل ما يتعلق بتنفيذ مشروع للربط السككي بين مرفأ طرطوس والحدود العراقية، إنشاء طريق بري سريع من الجنوب إلى الشمال.
كما تم اقتراح مشروعات للتعاون في مجال توليد الكهرباء، وفي مجال استكشاف النفط والغاز، إضافة إلى إحداث مناطق حرة صينية في منطقتي حسياء وتوسع اللاذقية، مع التركيز على البعد الإقليمي لهذه المشاريع، وبما يتوافق مع روح مبادرة الحزام والطريق. وتأمل دمشق كذلك الاستفادة من إمكانية التمويل الصيني في تنفيذ مشاريع خاصة لديها.
هذا على مستوى التعاون بين المؤسسات الحكومية في كلا البلدين، أما بالنسبة للقطاع الخاص فإن شركات البلدين الخاصة لديها الكثير من فرص التعاون المشترك، والتي عُبّر عنها أكثر من مرة باقتراحات لمشروعات هامة كإقامة مصفاة للنفط أو معمل للأسمنت وغير ذلك. فضلاً عن معدلات التبادل التجاري المرتفعة والتي وصلت في العام 2020 إلى أكثر من 530 مليون دولار من بينها حوالي 522 مليون دولار مستوردات سورية. وتالياً فإن صدور أي إشارة سياسية لتوسيع مجالات التعاون الاقتصادي يمكن أن يشكّل ذلك بداية زخم في مستويات التعاون الاستثماري والتجاري بين رجال الأعمال في كلا البلدين.
السؤال الثاني: كيف يمكن معرفة تطورات الموقف الصيني من العلاقة الاقتصادية مع دمشق؟
ببساطة ذلك يمكن أن يجري من خلال موعد اجتماع اللجنة العليا المشتركة بين الجانبين، والتي كانت قد عقدت آخر دورة لها في عام 2010 في بكين. وحسب المعلومات الخاصة فإن التحضيرات تجري منذ عدة أشهر لعقد اجتماع جديد للجنة في دمشق هذه المرة، وذلك بغية مناقشة سبل التعاون الاقتصادي والفني بين الجانبين. أما المؤشر الثاني فهو يكمن في الموضوعات والملفات ذات الأولوية، التي ستدرج على جدول أعمال تلك اللجنة.
فما هي توجهات بكين خلال الفترة القادمة حيال مستوى علاقاتها الاقتصادية مع دمشق؟، وإلى أي حد يمكن للشركات الصينية أن تذهب في تعاونها مع نظيراتها السورية؟ لننتظر.. ونرى.