أثر برس

كتب زياد غصن.. تحت تأثير الزلزال الأخير: هل يغير النفط والمياه الجوفية مواضعهما؟

by Athr Press G

زياد غصن || أثر برس الزلزال ليس بحدث طارئ يختفي بمجرد انتهاء أعمال البحث والإنقاذ، وهو أيضاً ليس بحدث تنحصر تأثيراته وأضراره المباشرة بما تهدم من منازل ومنشآت، وإنما هو حدث يفتح باباً واسعاً من الاحتمالات عن تأثيرات محتملة في هذا القطاع أو ذاك، والأهم أنها غير مرتبطة بالتوقيت الذي وقع فيه الزلزال، فهي تبدو أحياناً ممتدة زمنياً، أي ربما هناك تأثيرات لن تتوضح ملامحها إلا بعد مرور عشرات السنين.

وزلزال سوريا ليس بمنأى عن الزلازل السابقة التي ضربت مناطق مختلفة من العالم، وهذا يفرض على المؤسسات الحكومية والأكاديمية والبحثية المبادرة إلى دراسات التأثيرات اللاحقة التي تسببت بها زلازل الدول، ووضع سيناريوهات وتصورات لما يمكن أن يتمخض لاحقاً عن زلزال السادس من شباط الماضي، الذي ضرب أربع محافظات سورية.

النفط.. إلى أين؟

أحد الاحتمالات العامة المفترض أن تُدرس هو ما يتعلق بتأثيرات الزلزال والهزات الارتدادية على باطن الأرض السورية، وتحديداً لجهة ما تحتويه من ثروات نفطية ومياه جوفية، إذ أن حركة طبقات الأرض وما ينجم عنها من شقوق باطنية وخارجية تفتح باباً للسؤال عن إمكانية تسببها بهروب النفط والمياه عبر الشقوق إلى أماكن أخرى قد لا تكون بالطبع خارج حدود البلاد، وإنما ضمن الأقاليم السورية أو أن تغور في باطن الأرض.

وبحسب الدكتور نضال جوني الرئيس السابق لقسم الزلازل في المعهد الوطني للدراسات الزلزالية فإن ذلك يبدو “ممكناً جداً بسبب التصدعات التي تحدث بسبب حركة الصفائح، والتي قد تؤدي إلى هجرة النفط والغاز أو المياه بسبب التغيرات التي تطرأ على أماكن تخزينها”، مضيفاً في تصريح خاص لـ” أثر برس” أنه “لا توجد ديمومة للبقاء وذلك بسبب الحركات التكتونية المسببة للزلازل، والتي بدورها تسبب تشوهات وتصدعات تسمح بانتقال المحتوى الهيدروكربوني والمائي إلى سويات وأماكن أخرى”.

إذاً هو احتمال وارد الحدوث تبعاً لحركة الصفائح وشدتها، وهذا أيضاً ما يذهب إليه مصدر في وزارة النفط والثروة المعدنية، لكن حسب اعتقاده فإن حدث ذلك فهو “سيكون بعد عقود بعيدة جداً”، مرجحاً في الحالة السورية أن يحدث العكس تماماً، إذ أن حركة الصفائح الناجمة عن الزلزال الأخير والهزات الارتدادية يمكن أن تزيد من إنتاج الآبار النفطية جراء تسرب النفط من الشقق التي أحدثتها تلك الهزات، وهذا حدث في دول عدة.

كما يشير في حديثه لـ”أثر برس” إلى أنه “من الممكن أن تحدث ترشحات نفطية وتطفو على السطح أيضاً، تماماً كما حدث في الساحل سابقاً، وتبين بعد الدراسة أنها ترشحات نفطية مصدرها البحر المتوسط، وسببها هزات زلزالية حدثت آنذاك”.

ما سبق يعيدنا إلى البقعة النفطية، التي ظهرت فجأة بين بانياس وطرطوس في بداية شهر شباط الماضي، ووصفت بأنها مجهولة المصدر، وقدر طولها بحوالي واحد كم وعرضها بحوالي 70 متراً، وتشير توقعات الباحثين إلى أنها كانت نتيجة للهزة التي حدثت قبيل حدوث الزلزال الكبير، وكانت قوتها 4.5.

ووفقاً للمحافظات التي ضربها الزلزال الأخير، فإنه لا تتواجد أي آبار نفطية منتجة ضمن المناطق المتضررة، لكن غالباً فإن العديد من الآبار الواقعة تحت سيطرة الدولة أو خارجها كانت ضمن المناطق التي شعرت بالزلزال والهزات الارتدادية، أي أنها كانت ضمن حركة الصفائح، لاسيما مع تحرك الصدع التدمرية وفقاً للمؤشرات الأخيرة وتسجيلها هزات محدودة.

المياه الجوفية:

لا يختلف وضع المياه الجوفية عن النفط، فهي أيضاً ستكون في مواجهة احتمالات عدة من بينها المحافظة على وضعها الراهن أو تعرضها لمتغيرات عدة من قبيل الغور في طبقات الأرض أو انتقالها من مكان إلى آخر تحت ضغط حركة الصفائح، فالموضوع مطروح وقابل للحصول وفقاً لما يشير إليه الباحث في إدارة الموارد الطبيعية الدكتور موفق الشيخ علي والذي يؤكد أنه بالنسبة لمنطقة الساحل، فالأمر أكثر قابلية للحصول على اعتبار أنها ذات بنية جيولوجية كارستية، أي أنها متكسرة وبشدة، وبالنسبة لمحافظتي حلب وإدلب، فإن هناك حاملاً مائياً جوفياً غير عميق وهو شبه جاف أو متراجع، فضلاً عن وجود حامل جوفي آخر أكثر عمقاً، مع العلم أن مجرى نهر العاصي يتماشى جيولوجياً مع الصدع العربي الأفريقي، أي أنه يمثل امتداداً من البحر الميت إلى وادي الأردن إلى سهل البقاع وصولاً إلى العاصي والغاب وانتهاء بخليج اسكندرون”.

ويضيف في حديث خاص لـ” أثر برس” أنه “بعد وقوع الزلزال حدثت عكارة واضحة في مياه نبع السن دامت لقرابة أسبوع، مع ملاحظة أن هناك اتصال هيدرولوجي بين حوضي الساحل والعاصي عند نقطة التقاء على الطرف الجنوبي للجبال الساحلية” منوهاً هنا بأن “هروب المياه الجوفية لا يعني فقط تناقصها، وإنما قد يعني أيضاً زيادتها وتنقلها من حوض إلى آخر”.

وتذهب الدراسات البحثية المقدمة للملتقى الزراعي، الذي عقد في العام 2021، إلى أن معظم الأحواض المائية السبعة في البلاد عانت خلال السنوات السابقة من عجز مائي نتيجة زيادة المساحات المروية باضطراد سنوي من دون الأخذ بعين الاعتبار الموارد المائية المتاحة للزراعة في كل سنة مائية، حيث يتم تعويض ذلك العجز من خلال المياه الجوفية ما أدى إلى انخفاض ملحوظ في تصاريف ومناسيب الآبار، وتغيرات نوعية في المياه ومنها المخصصة للشرب وعجز الطلب عليها وجفاف بعض الينابيع المغذية لمشروعات الري الحكومية والشرب في حوض العاصي الأعلى والأوسط، وأحواض الخابور وبردى الأعوج واليرموك وكان آخرها جفاف بحيرة مزيريب في درعا، كل هذا يحتم على وزارة الموارد المائية والمراكز البحثية والجامعات التحرك لدراسة واقع المتغيرات التي قد تحدث بعد كارثة الزلزال وأثرها على واقع المياه الجوفية في المحافظات.

اقرأ أيضاً