على ثقل همومه ومتاعبه، إلا أن ساعات التقنين الطويلة للكهرباء تبقى أكثر ما يؤرق السوري في يوميات حياته. كيف لا، والكهرباء باتت تتحكم في كل نواحي حياة الناس وقطاعات العمل، من حصول المنازل على المياه، إلى التدفئة، فالإنارة، وصولاً إلى عمل التجهيزات الكهربائية المنزلية، التكنولوجية، والصناعية، وعلى ذلك علينا أن نتخيل حجم الخسائر الاقتصادية المباشرة الناتجة عن ساعات التقنين الكهربائي.
وزارة الكهرباء كانت من بين الجهات الرسمية القليلة، التي بادرت منذ بدايات الحرب إلى إعلان خسائرها المباشرة وغير المباشرة التي نتجت عن أعمال التخريب والتدمير والعقوبات الخارجية، وحسب تقديرات الوزارة في تقرير صادر مؤخراً عنها، فإن خسائرها تجاوزت بنهاية العام الماضي حوالي 6 آلاف مليار ليرة، منها 2 ألف مليار خسائر مباشرة، و4 آلاف مليار خسائر غير مباشرة، في حين أن تقديرات بحثية مستقلة أشارت إلى تراجع إنتاج الكهرباء من 18.7 مليار كيلوواط ساعي في 2015 إلى 17.6 مليار كيلوواط ساعي في 2016، ثم ارتفع منذئذ إلى 20.3 مليار كيلوواط ساعي في 2017، و27.8 مليار كيلوواط ساعي في 2019. هذه الزيادات الحاصلة منذ 2017 أدت إلى نمو الناتج المحلي الإجمالي لقطاع المرافق العامة بمقدار 15% في 2017، و32% في 2018، و2% في 2019″.
وعلى ذلك فإن تراجع إنتاج الكهرباء سيؤدي إلى تراجع في نمو الناتج المحلي الإجمالي، فما هي إذاً تقديرات الخسائر الاقتصادية المترتبة على ارتفاع ساعات التقنين حالياً، وضعف ساعات التغذية؟
يتسبب غياب الكهرباء في تضرر عمل العديد من المنشآت الاقتصادية الإنتاجية والخدمية، وكذلك تضرر الإنتاج الزراعي والحيواني. وهذا الضرر يتمثل إما بتوقف العمل لفترات زمنية متباينة أو بارتفاع تكاليف الإنتاج جراء اضطرار المنتجين إلى تشغيل مولداتهم الخاصة، وما يتطلبه ذلك من شراء المازوت بأسعار مضاعفة نظراً لعدم توفر المادة بكميات كافية، وفي النهاية هناك منفعة ضائعة أو غير متحققة.
حسب معلومات جمعها موقع “أثر برس” فإن تحديد قيمة الخسائر الاقتصادية الناتجة عن عدم توفير كميات الطاقة الكهربائية التي تحتاجها البلاد، يبقى مجرد تقديرات أولية تحتاج إلى تدقيق وعملية توثيق من خلال مسح إحصائي يتم وفق منهجية علمية.
أما حالياً، وحسب بعض المصادر فإن وزارة الكهرباء تقدر قيمة الخسائر المترتبة على عدم توفير كمية الكهرباء المطلوبة بحوالي دولار واحد عن كل كيلو واط ساعي غير منتج، وما دامت البيانات الرسمية الصادرة عن المؤسسة العامة لتوليد الكهرباء تؤكد أن إنتاج البلاد من الطاقة الكهربائية بلغت خلال العام 2020 حوالي 24 مليار كيلو واط ساعي، وإذا علمنا أن التقديرات الرسمية تشير إلى أن استهلاك سوريا من الكهرباء قدر في العام 2011 بحوالي 39 مليار كيلو واط ساعي، فهذا يعني ببساطة أن هناك نقصاً في الاستهلاك قدره حوالي 15 مليار كيلو واط ساعي نتيجة عدم القدرة على توليد هذه الكمية في العام 2020 لأسباب باتت معروفة.
وتالياً فإن الخسارة الاقتصادية المترتبة على هذا النقص تقدر وسطياً بحوالي 15 مليار دولار سنوياً، أي أنه خلال عامي 2020 و2021 يمكن أن تصل الخسارة إلى أكثر من 30 مليار كيلو واط ساعي، مع ملاحظة ما يلي:
-إذا كنا قد اعتمدنا كمية الاستهلاك المقدرة في العام 2011 فذلك يعود إلى أن مرحلة انحسار الحرب والمعارك من شأنها أن تشهد زيادةً في استهلاك حوامل الطاقة نتيجة الارتفاع المتوقع والتدريجي للإنتاج السلعي والخدمي بغية تلبية احتياجات مرحلة التعافي، وتبعاً لمطالبات المنتجين في مختلف القطاعات والتجار ومقدمي الخدمات والمواطنين بمضاعفة ساعات التغذية، فإن المقدر أن تتجاوز كمية الاستهلاك المقدرة لعام 2011 بنسبة ليست بالقليلة.
-تم اعتماد كمية الإنتاج المتحققة في العام 2020 وفقاً لبيانات المؤسسة العامة لتوليد الكهرباء، رغم أن الواقع يشير إلى أن الكمية المنتجة في العام الحالي ليست هي نفسها في العام الماضي، إذ أن زيادة ساعات التقنين يؤكد أن الكمية المنتجة أقل، خاصة مع دخول بعض المحطات مرحلة الصيانة.
-وجود بعض المناطق خارج السيطرة، تراجع الإنتاج نتيجة بعض السياسات والإجراءات المتبعة، أسهما نظرياً في عدم اعتماد كمية استهلاك أكبر من العام 2011.
هل هذا الرقم يبدو كبيراً؟
لا أعتقد ذلك، فالرقم يتضمن قيمة الفرص الإنتاجية الضائعة، وما أكثرها للأسف. كذلك يضمن الخسارة جراء التراجع في تقديم الخدمات ومستوى جودتها، وما يترتب على ذلك من ضياع للوقت وفوات منفعة متبادلة بين المؤسسات العامة والخاصة وبين المواطن، ومع ذلك يبقى ما سبق مجرد تقديرات خاصة بانتظار دراسة دقيقة تجريها وزارة الكهرباء للوقوف على حجم الخسائر التي مني بها الاقتصاد الوطني جراء عدم القدرة على توفير كميات الاستهلاك الطبيعية والضرورية من الكهرباء.