أثر برس

كتب زياد غصن.. تقديرات غير رسمية: 1.19 مليون ليرة خط الفقر المدقع في البلاد

by Athr Press G

زياد غصن || أثر برس في كل مرة علينا أن ننتظر صدور المجموعة الإحصائية لنقف على الأرقام القياسية لأسعار المستهلك ومعدلات التضخم، والتي بطبيعة الحال تكون قد أصبحت قديمة نسبياً، ولم تعد تصلح سوى لدراسات بحثية تعتمد على مقاربة السلاسل الزمنية لهذا المؤشر أو ذلك، فمثلاً نحن اليوم على مشارف نهاية العام 2023، إلا أن البيانات الرسمية المنشورة عن الرقم القياسي لأسعار المستهلك تعود إلى العام 2021.

سياسة “الكتمان” التي تتبعها الحكومة في محاولة للتغطية على النتائج الكارثية لسياساتها وإجراءاتها الاقتصادية، شجعت انتشار أرقام غير رسمية كثيرة حاولت تتبع واقع معدل التضخم أو الغلاء، لكن لا يعرف على وجه الدقة المنهجية العلمية المتبعة في إنتاج تلك الأرقام، لاسيما عندما تكون عبارة عن أرقام “انتقائية” أو “إجمالية” معزولة عن بعضها البعض، كالحديث أحياناً عن معدل التضخم من دون ذكر البيانات الخاصة بمساهمة المجموعات الرئيسية لسلة احتياجات المواطن اليومية، أو تقدير متوسط الإنفاق المطلوب للأسرة من دون تحديد نسبة إنفاقها على الغذاء وغير الغذاء.. وما إلى ذلك.

منذ أشهر قليلة، أصدر المركز السوري لبحوث السياسات تقريراً مفصلاً عن الرقم القياسي لأسعار المستهلك للفترة الممتدة من شهر تشرين الأول من عام 2020 إلى شهر حزيران من العام 2022، وجاءت معظم النتائج متقاربة إلى حد ما مع البيانات المنشورة عن المكتب المركزي للإحصاء، وقال المركز آنذاك إنه اعتمد في إنتاجه لتلك البيانات على رصد أسعار السلع والخدمات في أسواق مناطق مختلفة من البلاد، سواء الخاضعة لسيطرة الدولة أو الخارجة عن سيطرتها، ثم ما لبث أن تابع إصداره لتلك البيانات وآخرها كان للأشهر الأربعة الأولى من العام الحالي.

وفي تقريره عن شهر نيسان الماضي الصادر مؤخراً، يؤكد المركز أن الغلاء أو التضخم ازداد سنوياً (بين نيسان 2022 ونيسان 2023) بنسبة 76.7%، وشهرياً (بين آذار ونيسان من العام 2023) كانت الزيادة بحدود 3.6%، وبحسب التوزع الجغرافي فإن محافظتي طرطوس وريف دمشق سجلتا أعلى معدلات التضخم الشهري في نيسان بنسبة 6.8% و6% على التوالي، فيما سجلت محافظات حماة ودمشق وإدلب والقنيطرة ودير الزور وحلب معدل التضخم الأدنى بنسب تتراوح ما بين 2.1% و3.2%، وتشير البيانات إلى أن المناطق الخاضعة لسيطرة “قسد” كانت الأعلى في معدل التضخم الشهري على جميع السلع والخدمات 4%، تلتها مناطق الشمال الخاضعة لسيطرة فصائل مسلحة متعددة 3.8%، ثم جاءت مناطق سيطرة الحكومة السورية 3.5%.

وتصدرت مجموعة الأغذية والمشروبات غير الكحولية قائمة مجموعات الاستهلاك لجهة نسبة مساهمتها في نسبة ارتفاع معدل التضخم على المستوى الوطني لشهر نيسان الماضي، حيث بلغت نسبة مساهمتها حوالي 45.4%، تلتها مجموعة السكن والمياه والكهرباء والغاز والوقود بنسبة 19.6%، مجموعة التجهيزات المنزلية وأعمال الصيانة الاعتيادية ثالثاً بنسبة 6.2%، ورابعاً مجموعة الملابس والأحذية بنسبة 6%، أما بالنسبة لمساهمة مجموعات الاستهلاك تبعاً لمناطق السيطرة، فقد جاءت مجموعة الأغذية والمشروبات غير الكحولية أولاً لجهة مساهمتها في معدل التضخم المسجل في شهر نيسان الماضي في المناطق الخاضعة لسيطرة الدولة بنسبة 57.6%، فيما جاءت مجموعة السكن والمياه والكهرباء والغاز والوقود أولاً في مناطق الشمال حيث تتواجد الفصائل المسلحة المدعومة تركياً و”هيئة تحرير الشام”، بنسبة 65% والسبب زيادة الطلب على السكن ومواد البناء جراء تداعيات الزلزال الذي ضرب مناطق واسعة من تركيا وسوريا في شباط الماضي، وهذه المجموعة كانت كذلك هي الأولى بين مجموعات الاستهلاك في مناطق سيطرة “قسد”، حيث بلغت نسبة مساهمتها حوالي 35%.

ويقدم المركز في تقريره المذكور تقديرات خاصة حول الخطوط الوطنية الثلاثة للفقر، سواء على مستوى البلاد ككل أو على مستوى المناطق تبعاً للسيطرة، حيث تظهر تلك التقديرات أن خط الفقر المدقع للأسرة السورية (الفقر المدقع كمؤشر للحرمان من الغذاء) في عموم البلاد وصل إلى حوالي 1.19 مليون ليرة، وخط الفقر الأدنى إلى حوالي 1.87 مليون ليرة، فيما سجل خط الفقر الأعلى حوالي 1.59 مليون ليرة، وسجلت محافظات الرقة ودمشق ودرعا وإدلب أعلى قيمة لخطوط الفقر في شهر نيسان، فيما سجلت السويداء أدنى قيمة لخطوط الفقر.

وجاءت مناطق سيطرة “قسد” أولاً لجهة ترتيب مستوى خطوط الفقر في شهر نيسان الماضي، فمثلاً وصل خط الفقر المدقع فيها إلى حوالي 1.28 مليون ليرة، وخطر الفقر الأعلى 2.44 مليون ليرة، ثم جاءت مناطق سيطرة الدولة ثانياً بخط فقر مدقع 1.15 مليون ليرة وخط فقر أعلى 2.5 مليون ليرة، وأخيراً مناطق سيطرة الفصائل في الشمال بخط فقر مدقع 1.15 مليون ليرة وخط فقر أعلى 2.28 مليون ليرة.

ويجري المركز مقارنة بين خطوط الفقر الثلاثة وبين متوسط الأجور في القطاعات الثلاثة العام والخاص والمدني، ويلاحظ من بيانات المقارنة أن متوسط الأجور في القطاعات الثلاثة في مناطق سيطرة الدولة تقل جميعها عن خطوط الفقر الثلاثة بنسب تتراوح بين 41% و95%، فيما في باقي المناطق يسجل متوسط الأجور ارتفاعاً عن خطوط الفقر في بعض الحالات، فمثلاً في مناطق سيطرة “قسد” هناك أربع حالات يزيد فيها متوسط الأجر، كمتوسط أجر الموظف في القطاع المدني، والذي يزيد عن خط الفقر المدقع بنسبة 169.6%، وعن خط الفقر الأدنى بنسبة  77%، وعن خطر الفقر الأعلى 35.4%. وفي مناطق سيطرة الفصائل المسلحة في الشمال فهناك حالتان فقط، الأولى يزيد فيها متوسط أجر الموظف في القطاع المدني عن خط الفقر المدقع بنسبة 68.5%، وعن خط الفقر الأدنى بنسبة 9.9%.

باختصار يمكن القول إن البيانات السابقة تخلص إلى أن ارتفاع معدل التضخم أو الغلاء كان سمة مشتركة بين جميع مناطق البلاد، وإن تباينت النسب بين منطقة وأخرى إلا أنه تباين يبقى محدوداً، كما أنه على خلاف الاعتقاد السائد فإن المناطق الخارجة عن السيطرة تتقدم أحياناً في خطوط فقرها على مناطق سيطرة الدولة، وهذا يقود إلى كثير من الاستنتاجات التي تؤكد أن معالجة الأوضاع الاقتصادية في عموم البلاد تبدأ باستعادة الدولة سيطرتها على ثروات وموارد البلاد كاملة واستثمارها بشكل متوازن في تنمية جميع المناطق.

 

اقرأ أيضاً