أثر برس

كتب زياد غصن.. دمج الأسمنت و”عمران”: محاولة أخرى في الإصلاح

by Athr Press G

زياد غصن || أثر برس هل يمكن القول إن عملية إعادة هيكلة القطاع العام بدأت مع صدور مرسوم دمج مؤسستي الأسمنت و”عمران”؟

قد يبدو أنه من المبكر طرح مثل هذا السؤال بالنظر إلى أن العقد الأول من القرن الحالي شهد تنفيذ عدة مشروعات دمج مماثلة، ومعظمها لم يفلح في تقديم أنموذج مؤسساتي ناجح لأسباب لاتزال حاضرة وتشكل خطراً على تنفيذ المشروع الجديد، لكن ذلك لا يقلل من أهمية المرسوم الجديد وما تضمنه من خطوات إصلاحية هامة، والتي يمكن تقييمها لاحقاً وتقرير إمكانية التوسع بها، وعليه فإن الكرة هي اليوم في ملعب الحكومة لجهة طريقتها في تنفيذ عملية إعادة هيكلة متكاملة للشركات والمؤسسات المحددة بالمرسوم، وتوفير ما تحتاجه المؤسسة الوليدة من مقومات النجاح.

من حيث المبدأ، ليس هناك خلاف على أن التشوهات البنيوية التي يعاني منها القطاع العام منذ سنوات طويلة من قبيل النشاط الإنتاجي المتماثل لبعض المؤسسات وتجزئة الحلقات الاقتصادية للمنتج الواحد بين عدة شركات، تتطلب معالجة جذرية تضمن استثمار أفضل وأكثر جدوى للإمكانيات والقدرات البشرية والمالية، وبما يفضي أيضاً إلى تحقيق تحسن واضح في المؤشرات الاقتصادية لمؤسسات القطاع العام المعنية.

– العبرة بالتنفيذ:

في حالة الشركات والمؤسسات التي ترتبط فيما بينها بمهام مكملة لبعضها البعض (توفير المواد الأولية، الإنتاج، التسويق والمبيعات..) يبدو الدمج خياراً وحيداً، إذ من غير المنطقي ألا تتمكن شركة ما من تسويق إنتاجها بنفسها أو تأمين موادها الأولية أو أن تكون مجبرة على الارتباط بغيرها من الشركات لجهة الكلف وكميات الإنتاج وما إلى ذلك، فيما نظيراتها في القطاع الخاص متحررة من كل تلك الحلقات والقيود، بحسب ما يشير الباحث الاقتصادي د. فادي عياش فإنه “لا مشكلة من حيث المبدأ بالدمج أو التجزّيئ، فكلاهما من أساليب إعادة الهيكلة.. والتي تهدف بالعموم إلى تخفيض التكاليف، وضبط الهدر، ورفع كفاءة الإدارة، وزيادة الإنتاجية، وتفعيل أكبر للرقابة لتقييد الفساد، مما يعزز من القدرة التنافسية للكيان الجديد، إما بأسلوب الهيمنة بالتكاليف، أو تأثير منحنى الخبرة ووفورات الحجم الكبير، أو من خلال التخصص أو امتلاك تقنيات خاصة جديدة وما شابه.. أو بتشكيلة مما سبق”.

ويضيف في تصريح خاص لـ”أثر برس”: “عملية الدمج تعني إنهاء تام وكلي للكيانات الحالية، وإنشاء كيان جديد كلياً (ناتج الدمج) بشخصية حقوقية ومالية واعتبارية وتنظيمية مختلفة كلياً، ولكن التجارب السابقة للدمج أو الفصل في سوريا، غالباً لم تحقق بالعموم أياً من الأهداف المطلوبة، وغالباً ما تم التراجع عنها لاحقاً، سواء على مستوى الحكومات أي الوزارات أو على مستوى المؤسسات والشركات، فأغلب تجارب الدمج كانت شكلية مع الحفاظ على هيكلة كل كيان كما هي،  وهذا نجده جلياً على مستوى دمج الوزارات، فكان الفارق الوحيد هو إلغاء منصب وزير لإحدى الوزارتين المدمجتين، وعلى مستوى المؤسسات فقد توارثت الكيانات المدمجة كل تبعات ومشكلات وأزمات المكونات المدمجة، وبعضها بقي دون حسابات ختامية، وحافظت على هياكلها السابقة وبنفس الكوادر وبالمسؤوليات نفسها”.

بعبارة أخرى، على الرغم من أهمية الدمج في معالجة التشوهات المؤسساتية الحاصلة في بيئة القطاع العام السوري، إلا أن ذلك ليس كافياً لوحده لإنقاذ المؤسسات والشركات العامة مما هي فيه من ضعف وترهل وفساد، فهناك خطوات أخرى ضرورية يفترض أن تعمل الحكومة على مقاربتها بصورة جدية ومختلفة عن السابق بحكم ظروف بيئة العمل الحالية السائدة في القطاع العام، وهذا ما يذهب إليه الدكتور عياش بقوله: “شخصياً لا أجد مبرر يستوجب عملية الدمج، فالدمج وحده لن يحقق الأهداف المنشودة في تأمين المادة أي زيادة الإنتاجية والعرض المتاح، ولا تخفيض التكاليف أي تخفيض الأسعار، ولا إلغاء السوق السوداء، وبالتالي الاتجار غير المشروع بالمادة بما يتضمنه من شبهات الفساد، بل قد يكون هناك نتائج سلبية ناتج عن فقدان إحدى مزايا المؤسسات المتخصصة وهي الرقابة الذاتية حيث تكون مخرجات إحداها (المضبوطة) هي مدخلات للأخرى.. وهذا يساعد أكثر في الضبط، ولكن يبقى أن نتأمل أن تكون هذه التجربة قد استفادت من سابقاتها، وأن تحقق النتائج المرجوة”.

– نفس إصلاحي:

تضمن مرسوم إحداث مؤسستي الأسمنت وعمران بعض المؤشرات الإصلاحية الهامة، التي يعول أن تتوسع وتتعمق أكثر في المرحلة المقبلة منها ما يتعلق بتشكيلة مجلس الإدارة وصلاحياته، فمثلاً رئيس مجلس الإدارة هو من الخبراء في مجال عمل الشركة أي ليس وزيراً أو معاوناً للوزير أو أستاذاً جامعياً، كما أن عضوية مجلس الإدارة تنص كذلك على وجود ثلاثة أعضاء من الخبراء في مجال عمل الشركة،  ولم يخف مسؤول حكومي شارك في نقاش في إعداد المشروع أن من بين الخيارات التي طرحت للنقاش إبعاد منصب مدير عام الشركة عن عضوية مجلس الإدارة بغية منح الأخير مزيداً من الاستقلالية في ممارسة الصلاحيات الهامة المعطاة له، وهي صلاحيات من شأنها تخفيف القبضة المعتادة للوزارة على المؤسسات والشركات التابعة له، ومن أهم تلك الصلاحيات ما يتعلق بإقرار عقود الأعمال والتوريدات والخدمات التي تقوم بها الشركة، والمصادقة على العقود الداخلية والخارجية التي تزيد قيمتها عن صلاحيات المدير العام، والموافقة على إبرام الاتفاقيات ومذكرات التفاهم الداخلية والخارجية التي تخدم مصلحة الشركة وفق الأحكام النافذة.

واللافت كذلك في المرسوم، إلغاؤه للحلقة المؤسساتية الوسيطة المعروفة في وزارة الصناعة، والمتمثلة في المؤسسات المشرفة على عمل عشرات الشركات، والتي رغم مرور سنوات طويلة على إحداث تلك المؤسسات، إلا أنه لم يعرف على وجه التحديد ما القيمة المضافة التي تقدمها لعمل الشركات الإنتاجية سوى زيادة عدد الجهات والمرجعيات المشرفة وتقاذف المسؤوليات وهدر الوقت والجهد، فيما يفترض أن يسمح للشركات ممارسة صلاحياتها وتنفيذ مهامها باستقلالية كاملة، ومن ثم يصار إلى محاسبتها على النتائج، وهذا ما يرمي إليه المرسوم الجديد إذا ما طبقته الحكومة كما أريد له.

اقرأ أيضاً