بعد مرور قرابة شهرين على إعلان حكومة المهندس حسين عرنوس استبعادها ما يزيد على 592 ألف أسرة من خانة الدعم الحكومي بحجة أنها ميسورة، وما تخلل ذلك من اعتراض أكثر من 300 ألف أسرة لوجود أخطاء في قاعدة البيانات الحكومية، فإن الجانب الذي لا يزال غامضاً في الخطوة، التي أثارت سخط السوريين وغضبهم لأسباب عدة، يتعلق بقيمة “الوفر” المتحقق وسبل استثماره.
في الأيام الأولى لتنفيذ المشروع المذكور نقل عن مسؤولين حكوميين أن الوفر المحقق تصل قيمته إلى ألف مليار ليرة، وهو ما يشكل نسبة وقدرها 18% من إجمالي اعتمادات الدعم في موازنة العام الحالي والبالغة حوالي 5529 مليار ليرة. لكن هذا الوفر يفترض أنه تراجع مع إعادة آلاف المعترضين إلى خانة الدعم، كالعاملين في مؤسسات الدولة، والذين جرى استبعادهم في البداية لامتلاكهم سيارة سياحية يعود تاريخ صنعها إلى العام 2008 وما بعد، أو لأن سعة محركها 1500 CC وما فوق.
ولأن الثقة باتت معدومة بالبيانات والأرقام الحكومية، فإن القيام ببعض العمليات الحسابية البسيطة سوف يظهر أن الوفر المحقق يصل إلى أكثر من ألف مليار ليرة. وهو الرقم الذي جرى تداوله في البداية، الأمر الذي يطرح تساؤلات عدة حول المنهجية الحكومية المتبعة في احتساب التقديرات الخاصة بالدعم، خاصة بعد التناقض الواضح والصريح في كلف السلع المدعومة، وتحديداً بين ما يقوله المسؤولون الحكوميون، وبين ما هو وارد في الموازنة العامة للدولة لهذا العام.
فإذا كان وسطي عدد أفراد الأسرة السورية كما هو متعارف عليه إحصائياً هو خمسة أفراد، فهذا يعني أن رفع دعم مادة الخبز عن حوالي 596 مليار ليرة سوف يوفر على الخزينة العامة حوالي 415 مليار ليرة، بناء على أن استهلاك الأسرة المكونة من خمسة أفراد عبارة عن ربطتين يومياً وفق مخصصات وزارة التجارة الداخلية، والأسرة ستكون كذلك مضطرة لشراء كمية 100 ليتر مازوت للتدفئة بسعر 1700 ليرة، وبذلك يكون الوفر المتحقق من مادة مازوت التدفئة حوالي 71 مليار ليرة، أما فيما يتعلق بالغاز المنزلي فقد افترضنا أن الأسر تحصل سنوياً على خمسة أسطوانات غاز منزلي (كل 70 يوماً أسطوانة) ، فإن حجم الوفر يمكن أن يتجاوز 56 مليار ليرة. وبالانتقال إلى مادة البنزين، فإن الوفر المتحقق جراء رفع الدعم عن 47% من السيارات الخاصة يصل إلى 821 مليار ليرة سنوياً، وذلك استناداً إلى تقديرات وزارة النفط، والتي قالت فيها إن دعم مادة البنزين يبلغ سنوياً حوالي 1747 مليار ليرة.
إذاً.. إجمالي الوفر المتحقق من رفع الدعم عن 596 ألف أسرة يمكن أن يصل سنوياً، ويشكل تقديري، إلى حوالي 1363 مليار ليرة، وهو رقم يزيد عما جرى تداوله رسمياً، وتالياً فإن السؤال يبقى عن مصير هذا الوفر، هل سيذهب فعلاً إلى دعم الأسر الأكثر فقراً؟، وهل لدى الحكومة بيانات واضحة ودقيقة عنها؟، أم أن جزءاً من هذا الوفر سيخصص لزيادة الرواتب والأجور؟، أم أن الوفر هو فقط لتخفيض عجز الموازنة، وعلينا ألا نتوقع شيئاً آخر؟.