زياد غصن ـ خاص|| أثر
هذه إحدى المفارقات المدهشة والمضحكة في البيانات الإحصائية الرسمية، والتي للأسف تراجعت موثوقيتها بشكل واضح خلال سنوات الحرب، فيما كانت مصلحة البلاد تقتضي إنتاج بيانات أكثر موضوعية وواقعية للوقوف على الحجم الحقيقي للخسائر الاقتصادية والاجتماعية التي منيت بها البلاد، وتالياً تحديد السياسات والمشروعات بشقيها الإسعافي والتنموي.
أكثر ما يلفت الانتباه في البيانات الرسمية التي تضمنتها المجموعة الإحصائية لعام 2021، والصادرة مؤخراً عن المكتب المركزي للإحصاء، ما يتعلق بتطورات سوق العمل فـي سوريا خلال العام 2020، إذ تظهر تلك البيانات أن معدّل البطالة المسجّل فـي ذلك العام لم يتجاوز حوالي 20.9% ومعدل المشتغلين حوالي 79.1%، ومع مقارنة تلك النسب بمثيلاتها من العام السابق سنجد أن هناك زيادة واضحة في معدل المشتغلين من ناحية، وتراجعاً كبيراً فـي معدل البطالة من ناحية أخرى.
وتصبح الزيادة في معدل المشتغلين موضع تساؤل مع ما تذهب إليه البيانات المذكورة لجهة فرص العمل المتحققة في العام 2020، والتي بلغ عددها حوالي 817 ألف فرصة عمل، وهو رقم يبدو خيالياً بالنظر إلى الظروف الاقتصادية التي تمر بها البلاد، تركة الحرب الثقيلة، والأهم أن العام 2020 شهد انتشار فيروس كورونا عالمياً ومن ثم محلياً، حيث أعلنت الحكومة فـي ذلك الوقت عن جملة إجراءات وصلت إلى حد حظر التجول والإغلاق شبه الكامل للبلاد، واستمرت تلك الإجراءات لعدة أسابيع. فمن أين أتى هذا الرقم “الخرافي” الذي تعجز عن تحقيقه دول اقتصادية عملاقة؟
بحسب توضيح المكتب المركزي للإحصاء، فإن بيانات قوة العمل المذكورة فـي المجموعة الإحصائية استندت على مسح قوة العمل الذي شمل المحافظات التي تمكن الباحثون من الوصول إليها في الأعوام السابقة مضافاً إليها المناطق المحررة في كل من محافظتي دير الزور والرقة وريف حلب. وهذا ربما ما يفسر زيادة قوة العمل فـي العام 2020 بحوالي 330 ألف شخص مقارنة بالعام السابق 2019. ومع ذلك فإن عدد السوريين الذين انتقلوا من صفوف البطالة إلى ميدان العمل لايزال غير منطقي، فإذا اعتبرنا أن جميع المواطنين القادرين على العمل فـي المناطق المحررة، والتي دخلت في دائرة استهداف مسح قوة العمل فـي العام 2020، هم من المشتغلين 100%، أي ليس فيها أي عاطل عن العمل فـي المناطق المشار إليها، فإن عدد السوريين الحاصلين على عمل فـي العام 2020 يصل إلى حوالي 487 ألف شخص!.
وتظهر البيانات أن الزيادة المتحققة فـي عدد المشتغلين في العام 2020 جاءت من القطاع الخاص، إذ أن البيانات الخاصة بعدد المشتغلين في القطاع العام سجلت زيادة بسيطة لم تتجاوز في العام 2020 حوالي 32 ألف مشتغل، وذلك مقارنة مع بيانات العام 2019. أما فـي القطاع الخاص فإن عدد المشتغلين زاد بأكثر من 784 ألف مشتغل، فهل إلى هذا الحد كان الإستثمار في القطاع الخاص نشطاً وفعالاً؟ وماذا عن تأثيرات انتشار فيروس كورونا وتداعيات الإجراءات الاحترازية التي اتخذتها الحكومة آنذاك؟،
لو عدنا إلى توزع المشتغلين حسب أقسام النشاط الاقتصادي وقارناها مع مثيلاتها من العام السابق 2019 لوجدنا أن زيادة أعداد المشتغلين الخيالية تمركزت في جميع القطاعات الاقتصادية باستثناء قطاع واحد. فأعلى زيادة فـي عدد المشتغلين وفقاً لبيانات العام 2020 سجلت فـي القطاع الصناعي، حيث زاد عدد المشتغلين بحوالي 297 ألف مشتغل، ثم فـي قطاع الخدمات بحوالي 157.7 ألف مشتغل، فقطاع التجارة والفنادق والمطاعم بحوالي 143.4 ألف مشتغل، ورابعاً جاء البناء والتشييد بحوالي 129.7 ألف مشتغل، فالزراعة بحوالي 112 ألف مشتغل. وحده نشاط المال والتأمين والعقارات شهد تراجعاً في عدد المشتغلين فيه خلال العام 2020 وبحوالي 56.9 ألف مشتغل مقارنة مع بيانات العام 2019.
ما يدفعنا إلى طرح تساؤلات حول مدى صحة ومصداقية هذه البيانات ما يلي:
-إن العام 2020 شهد انتشار فيروس كورونا على مستوى العالم، وهو ما انعكس سلباً على النشاط الاقتصادي وتسبب بخسائر كبيرة فـي جميع الدول العالم، لاسيما تلك التي بادرت إلى اتخاذ إجراءات احترازية، ومنها سوريا بالطبع.
-إن العام 2020 شهد على المستوى المحلي تراجعاً واضحاً في سعر صرف الليرة، وارتفاعاً كبيراً فـي معدل التضخم قدر بأضعاف ما كان عليه مع بداية الحرب. وفـي مثل هذه الظروف يتراجع الإنتاج بمختلف أشكاله، وهو ما يؤثر بطبيعة الحال على فرص العمل المتاحة في السوق.
-أن أي عملية لتصحيح وتصويب البيانات لا يمكنها أن تقلب الأمور رأساً على عقب كما هو الحال فـي بيانات قوة العمل المشار إليها. ثم هل يعقل أن بلداً قدرت خسائره المباشرة جراء الحرب بأكثر من 500 مليار دولار يتمكن خلال عام واحد فقط من تخفيض معدل البطالة إلى مستويات لا يمكن لعقل أن يستوعبها.