زياد غصن ـ خاص|| أثر
في الحالة السورية، لم تعد ظاهرة التغير المناخي مجرد هاجس مستقبلي يؤرق علماء المناخ والبيئة فقط، وإنما تحولت إلى تحدٍّ آني لا يقل أهمية وخطورة عن باقي التحديات الاقتصادية والاجتماعية، التي تواجهها البلاد بعد 12 عاماً من الحرب، لا بل أنه قد يشكل التحدي الأبرز بالنظر إلى تأثيراته المباشرة على واقع الموارد الزراعية والمائية، أو بالأحرى ما تبقّى منها، وتالياً على معادلة الأمن الغذائي بجوانبها المختلفة، لا سيما السياسية منها، هذا إضافة إلى الضرر الذي سيلحق بقطاعات أخرى كالصحة، الصناعة، النقل، السياحة، وغيرها. مع الإشارة إلى أن سوريا، وتبعاً للبيانات الرسمية، “ليست مساهماً رئيساً في انبعاث غازات الاحتباس الحراري في العالم، وتالياً ليست من الدول المؤثرة تأثيراً جوهرياً في ظاهرة التغير المناخي مقارنة بدول عديدة”.
هذا التمايز، الذي تحققه الظاهرة في سوريا مقارنة بدول المنطقة والعالم، سببه أن حجم الأضرار التي لحقت بمكونات النظام البيئي السوري بفعل الحرب، كان كافياً لتثقيل خطورة ما يحدث من تغير مناخي، بدءاً من الضرر الذي لحق بالغطاء النباتي، ولا تتوفر إلى الآن بيانات رسمية عن حجم ذلك الضرر ونسبته، مروراً بما تعرضت له الموارد المائية والأرضية من تلوث واستنزاف جائر، وليس انتهاء بالأنشطة الاقتصادية غير الشرعية وما خلفته وتخلفه من كوارث بيئية، وتحديداً عمليات التكرير البدائية للنفط في المنطقة الشرقية للبلاد.
تغيرات مفاجئة
على خطورة هذا الملف، إلا أن الحديث الرسمي والأهلي عنه، لم يخرج حتى اليوم عن إطار الدراسات والتقارير البحثية النظرية، المدعومة أحياناً ببعض التقديرات الإحصائية، في حين أن الحاجة الوطنية تفرض وجود دراسات استقصائية دقيقة، وتنفيذ مسوح علمية منهجية ترصد حقيقة ما يحدث بالأرقام والبيانات والأدلة والشواهد الحية، وهذا من شأنه أن يسهم في وضع استراتيجيات وطنية واضحة، واعتماد برامج ومشروعات وطنية للتكيف الفعال والمثمر مع التغيرات المناخية.
ما هو متاح رسمياً للتعرف على ملامح ظاهرة التغير المناخي في سوريا، يتمثل في التقرير الوطني الذي أعدته وزارة الإدارة المحلية والبيئة في العام 2014، واعتمدت نتائجه في ملتقى تطوير القطاع الزراعي المقام في العام الماضي. وحسب ما يرصد التقرير المذكور، فإن هناك العديد من المتغيرات المناخية التي تشهدها سوريا منها: تناقص الهاطل المطري في فصل الشتاء في المناطق الشمالية الغربية من البلاد، وازدياد الهطول في فصل الخريف في المنطقة الشمالية الوسطى، ما سيؤدي إلى انخفاض في كمية مياه الجريان السطحي، في مخزون المياه اللازمة للزراعة والصناعة، وفي مياه الشرب، وسيجعل من نوعية المياه سيئة بسبب زيادة ملوحتها، كما أظهرت درجة حرارة الهواء السطحي زيادة ملحوظة في درجة حرارة فصل الصيف، ويتوقع أن يكون معدل الاحترار في سوريا لعام 2041 أعلى من المعدل العالمي. كذلك من المرجح أن تغمر مساحات في المنطقة الشاطئية خلال العقود المقبلة. وتشمل الآثار المادية لارتفاع منسوب سطح البحر، غمر وانزياح الأراضي المنخفضة والرطبة، زيادة ملوحة التربة، زيادة تآكل السواحل، وزيادة فيضانات المنطقة الساحلية. وبحسب التقرير المذكور، فإن هذه التغيرات ستؤدي إلى زيادة الاستهلاك المائي للنباتات، انخفاض فترة نمو المحاصيل، انخفاض كمية المياه المتوفرة، انزياح مكاني لبعض الأنواع النباتية ضمن أحزمة الغطاء الغابوي في المناطق الجبلية، زيادة مشاكل المراعي كالتصحر وانخفاض الإنتاجية العلفية، والتسبب بحدوث ضغوط إضافية على الأنظمة البيئية والأنواع المهددة بالانقراض، ما يزيد من خطر الانقراض فعلاً.
لكن مع إثارة الدكتورة رؤى راشد، رئيسة قسم الجغرافيا في جامعة حلب، لظاهرة التبريد في مواجهة ظاهرة الاحترار، المدعومة باستنتاجاتها وأحداثها على الساحة الدولية، السياسية والعلمية والإعلامية، فإن التوقعات حيال ماهية النتائج التي يمكن أن تنشأ أو تنعكس على حياة الناس، تتفاوت عما ذكر سابقاً، ووفقاً لما ذكرته الدكتورة رؤى خلال مشاركتها في مؤتمر التغير المناخي، والذي أقامته مؤخراً جامعة حلب، فإن هناك عدة عواقب لظاهرة التبريد منها: الانزياح في الأحزمة المناخية باتجاه الاستواء؛ فمع ازدياد انتشار الجليديات، ستغدو العروض شبه المدارية ( 25 – 40 شمالاً وجنوباً) أوفر مطراً، وستتقلص مساحة الصحاري، هذا ما يمكن أن تعيشه معظم الأراضي العربية. كذلك ستشهد النظم المناخية تغيراً عن السائد حالياً؛ فالمنطقة العربية، وبخاصة المنتمية إلى المناخ المتوسطي والتي تتميز بصيف حار جاف، وشتاء ماطر بارد نوعاً، فسيغدو فيها الصيف ماطراً نسبياً، كما أن الشتاء سيكون الأوفر مطراً مع اختلاف نسبي في طبيعة الأمطار خلال نصفي السنة.
ومن العواقب المتوقعة انخفاض منسوب سطح البحار والمحيطات، ولن تسلم الأرض من التدهور البيئي في بعض عروضها الجغرافية.
وعلى ذلك، فإن البلاد، وأياً كانت نوعية التغيرات المناخية التي يمكن أن تتعرض لها بين احترار أو تبرد، ستكون في مواجهة مجموعة مركبة من المتغيرات، ستنعكس آثارها على الموارد المائية والزراعية معاً، الأمر الذي يهدد بشكل مباشر ما تبقّى من مقومات الأمن الغذائي والمائي للسوريين. وحسب ما يشير الدكتور نور الدين منى وزير الزراعة الأسبق، فإنه “من المتوقع أن يكون لتغير المناخ تأثير شديد على موارد المياه في سوريا، ما سيقلل من إجمالي المياه المتاحة سنوياً بنسبة تزيد عن 30% في عام 2050، وفي الوقت نفسه، سيزداد الطلب على المياه بنسبة حوالي 18% نتيجة للتنمية الاقتصادية، النمو السكاني، وزيادة الاستهلاك. ومع التوقعات بانخفاض الهطول المطري وتذبذبه، فإن هذا الوضع سيكون معرضاً للتفاقم، ما سيؤدي إلى انخفاض مستويات المياه الجوفية، وجفاف بعض الينابيع”. وتذهب الدكتورة عائشة اليوسف، الأستاذة في قسم الجغرافيا بجامعة حلب، إلى التأكيد على أنه “مع ارتفاع درجة حرارة المياه ونقص الأوكسجين المذاب، سيكون هناك تراجع في قدرات التقنية الذاتية لمسطحات المياه العذبة، ما سيؤثر سلباً في جودة المياه؛ حيث ستزداد فرص تلوث المياه واحتوائها على العوامل المسرطنة نتيجة الفيضانات أو بسبب التركيز المرتفع للملوثات خلال فترة الجفاف. وإلى جانب التأثير في الإنتاج الغذائي، فإن هناك احتمالاً بإمكانية حدوث تأثيرات مهمة في الصحة البدنية والعقلية نتيجة الأمراض والإصابات والخسائر المالية والتشرد. كما أن النظم الإيكولوجية ولا سيما الغابات والأراضي الرطبة، معرضة لخطر انخفاض التنوع البيولوجي فيها، وستتأثر إمدادات المياه كذلك، ولن يقتصر التأثير على الزراعة التي تستهلك 06% من المياه العذبة المسحوبة، وإنما سيتجاوزه إلى الصناعة وتوليد الطاقة ومصائد الأسماك”.
فجوة السياسات!
ثمة اعتراف رسمي واضح بوجود فجوة في السياسات المتعلقة بالتغيرات المناخية، سببها إما تشتت المسؤوليات وتعدد الجهات والمؤسسات المعنية بهذا الملف، أو غياب التنسيق الحكومي المفترض أن تقوده جهة وصائية مشرفة على جميع المؤسسات المعنية. وهذا ربما ما دفع المشرفين على ملتقى تطوير القطاع الزراعي، إلى تضمين برنامج التكيف مع التغيرات المناخية المعتمد في نهاية الملتقى، بند ينص على تنفيذ سياسة تصحيحية قوامها خلق البيئة التنظيمية لحوكمة التغيرات المناخية، وتحديد ثلاث جهات مسؤولة عن التنفيذ هي: وزارة الزراعة، وزارة الإدارة المحلية والبيئة، ووزارة الموارد المائية. ومن المهم الإشارة أيضاً إلى الاقتراح المتعلق بضرورة “وجود وتأسيس نظام إنذار مبكر لتغير المناخ، يمكن أن يساعد في التخفيف من أثار تغير المناخ، إضافة إلى دمج مكون التغير المناخي في مشروعات التنمية، تنسيق السياسات وإجراء البحوث وتبادل المعرفة والمعلومات والمساعدات الفنية وبناء القدرات، إضافة إلى التمويل”.
فالآثار غير المباشرة لظاهرة التغير المناخي واسعة النطاق، وتتطلب، برأي الباحثين في الملتقى، القيام بدراسات استقصائية مفصلة وشاملة.