أثر برس

كتب زياد غصن.. كابوس يكتم أنفاس الاقتصاد العالمي: ماذا لو خرجت الأمور عن السيطرة؟

by Athr Press G

زياد غصن || أثر برس يوماً بعد يوم، تزداد احتمالية نشوب حرب إقليمية على خلفية العدوان الإسرائيلي المستمر على غزة، والذي أودى بحياة آلاف الأطفال والنساء والشيوخ، ودمر جزء كبير من البنى التحتية والسكنية لمدن القطاع وتجمعاته السكنية.

وأياً كانت الأسباب التي يمكن أن تقود إلى مثل هذه الحرب، وهي بالتأكيد غاية في الخطورة، إلا أن الأهم يكمن في النتائج التي يمكن أن تترتب على هذه الحرب، وتجعل تالياً دول كثيرة تحبس أنفاسها خوفاً من وقوع ما تسميه بعض الحكومات بـ “الأسوأ”، وتعتبره دول وفصائل محور المقاومة خياراً لابد منه في هذه المرحلة.

هذه النتائج لا يمكن حصرها فقط بالجانب الميداني ومآلاته على صعيد ميزان القوى، تغير قواعد المواجهة مع المشروع الصهيوني –الأمريكي في المنطقة، حجم الخسائر البشرية والعسكرية، ومستقبل مشروع التطبيع مع العدو الصهيوني. وإنما هناك جملة نتائج اقتصادية واجتماعية ستحدد مستقبل المنطقة لعقود قادمة، وهذا ليس تحليلاً “رغبوياً” أو “شعبوياً” كما يعتقد البعض، فكما أن النفط تحول إلى سلاح مؤثر في مواقف الدول الغربية من حرب أكتوبر عام 1973، وكما أن خطوط نقل النفط في المنطقة باتت مهددة بالتوقف في الثمانينيات، وكما أن المقاطعة العربية ألحقت خسائر كبيرة باقتصادات دول كثيرة على مدار أربعة عقود من الزمن، فكل ذلك وغيره متاح اليوم، لكن ما فرص تحققه مرة أخرى.

احتمالات المواجهة:

ماذا يعني أن يقود العدوان الإسرائيلي على غزة إلى حرب إقليمية؟

باختصار، إن استمرار تل أبيب في عدوانها على غزة وتطويره إلى محاولة اجتياحها للقطاع برياً يعني أن جميع فصائل المقاومة في دول المنطقة ستكون في قلب المعركة بشكل مباشر، وذلك من خلال:

-اجتياز فصائل المقاومة للحدود مع فلسطين المحتلة وخوض معارك مباشرة ومتعددة الأشكال مع جيش الاحتلال، وهذا سيقابل بطبيعة الحال من قبل القوات الإسرائيلية باستهداف التجمعات السكنية والبنى التحتية لتعويض هزيمتها البرية المؤكدة بغية الضغط على فصائل المقاومة شعبياً وإعلامياً لوقف تدخلها في الحرب الدائرة.

-استهداف فصائل المقاومة في كل من سوريا والعراق للقواعد الأمريكية المتمركزة في البلدين بشكل كثيف وصولاً إلى حالة من الاشتباك البري وتفجير العبوات الناسفة بدوريات الاحتلال الأمريكي، وهذا سوف يحدث سواء أظهرت الولايات المتحدة تدخلها في الحرب واستهدافها لفصائل المقاومة في غزة ولبنان وسوريا والعراق أو أبقت ذلك التدخل مستتراً.

-دخول إيران الحرب بشكل مباشر سيكون مرهوناً بإمكانية استهداف قواعدها ومنشآتها العسكرية والمدنية وقادتها من قبل واشنطن أو تل أبيب، الأمر الذي سوف يترتب عليه قصف إيراني لأهداف إسرائيلية وأمريكية تبعاً لطبيعة ومكان الاستهداف الأمريكي-الصهيوني وحتى لو لم تتدخل طهران بشكل مباشر في هذه الحرب فإنها ستكون مساندة بأشكال متعددة لفصائل المقاومة سواء بتزويدها بالسلاح والتمويل أو بالاستشارات العسكرية أو بالمقاتلين.

-قيام صنعاء باستهداف مصالح إسرائيلية وأمريكية في المنطقة كما فعلت سابقاً، سواء بالقصف الصاروخي الذي سوف يصل إلى الأراضي العربية المحتلة أو بالطائرات المسيرة، ولائحة الأهداف كبيرة فهي يمكن أن تشمل إضافة إلى القواعد والمنشآت العسكرية أهدافاً اقتصادية كالمنشآت النفطية المستثمرة أمريكياً ونواقلها النفطية وغير ذلك.

-استهداف المصالح الأمريكية والإسرائيلية في دول خارج المنطقة كالسفارات والاستثمارات الغربية وما إلى ذلك، وهذا يمكن أن يحدث بتنسيق مع فصائل المقاومة أو حتى من دون تنسيق سيما مع وجود حالة من الاحتقان الشعبي ضد السياسات الأمريكية في دول آسيوية وإفريقية وفي أمريكا اللاتينية.

خسائر على العالم أجمع:

لكل حرب خسائرها الاقتصادية، المباشرة وغير المباشرة، تبعاً لماهية تلك الحرب، مدتها الزمنية، مساحتها الجغرافية، والدول المشاركة فيها، والأمثلة على ذلك كثيرة وآخرها الحرب الروسية-الأوكرانية، التي انعكست آثارها الاقتصادية السلبية على الاقتصاد العالمي برمته لأسباب متعلقة بنسبة الإنتاج العالية لكلا الدولتين من السلع الزراعية الغذائية، إمدادات الغاز الروسي، وغيرها من الثروات والموارد الطبيعية والصناعية، وهذا هو حال ما يمكن أن يؤدي إليه العدوان الإسرائيلي على غزة من توسيع للمواجهة لتشمل دول عدة في المنطقة، ويمكن هنا الإشارة إلى بعض النتائج الاقتصادية المحتملة لتوسع المواجهة مع العدو الصهيوني من خلال استعراض موجز للنقاط التالية:

-الخسائر الاقتصادية التي سوف تمنى بها دول المنطقة جراء توسع العمليات العسكرية من تدمير وتخريب للبنى التحتية والمرافق الخدمية بحكم العقلية التي تحكم الجيش الإسرائيلي والمستندة إلى الهروب من المواجهات البرية وتعويض خسائره فيها إلى القصف العشوائي، لكن عملياً فإن خسائر الكيان الصهيوني ستكون هي الأخرى قاسية مع توقف الصناعة والزراعة واختباء المستوطنين في الملاجئ لأيام وأيام، وستكون أكثر قسوة فيما لو تم استهداف المنشآت الغازية في البحر، المنشآت الاقتصادية الكبرى كالمجمع البتروكيماوي الضخم في حيفاً، والمطارات والمرافئ البحرية والمعابر الحدودية مع مصر والأردن.

-ارتفاع أسعار النفط والغاز عالمياً جراء مخاوف الأسواق العالمية من إمكانية تضرر الإمدادات النفطية القادمة من المنطقة، وهو ما يعني ارتفاع في تكاليف الإنتاج والخدمات عالمياً وتراجع التوقعات المتعلقة بالنمو والطلب على السلع والمواد، ويمكن أن يتطور الأمر إلى مرحلة أكثر خطورة فيما لو قابلت طهران التدخل الأمريكي المباشر لدعم “إسرائيل” بإغلاق مضيق هرمز أمام عبور الناقلات النفطية أو التضيق عليها، خاصة وأن إنتاج الشرق الأوسط من النفط يشكل ما نسبته حوالي 27.4% من مجمل الإنتاج العالمي، فيما بلغت تقديرات قيمة صادرات الدول العربية من النفط حوالي 441 مليار دولار في العام 2021.

ومثل هذا الاحتمال يذكرنا بحدثين هامين: الأول عندما قرر الملك فيصل في العام 1973 قطع النفط عن الغرب في أعقاب اندلاع حرب تشرين عقاباً لها على دعمها الكيان الصهيوني، والثاني عندما وقعت الحرب العراقية-الإيرانية في الثمانينات ودعمت دول الخليج بغداد فكان تهديد طهران للسفن الناقلة للنفط.

– ارتفاع تكاليف التجارة الشرق متوسطية في الاتجاهين، سواء من حيث السلع والبضائع المتجهة من الغرب إلى دول الشرق أو بالعكس، ذلك أن ارتفاع منسوب المخاطر سوف يتسبب في زيادة أجور النقل وبدلات التأمين والتحويلات المصرفية وغيرها، فضلاً عن وامتناع شركات ومؤسسات عديدة عن التعامل مؤقتاً مع نظيراتها في دول المنطقة تحسباً من أي تطورات قد تتسبب لها بخسائر ما، وهذا سيكون بمنزلة سيناريو مشابه لما حدث بعد الحرب الروسية الأوكرانية، لكن ربما يكون أكثر قسوة وتشاؤماً.

– ومن المؤكد أن معدلات السياحة إلى المنطقة سوف تشهد انخفاضاً ملحوظاً، الأمر الذي سيؤدي إلى إلحاق خسائر بالعديد من اقتصاديات المنطقة جراء تراجع كميات القطع الأجنبي المتأتية من هذا القطاع، وتوقف أو تراجع نسب الإشغال في المنشآت السياحية والمهن المرتبطة بها، وإذا كانت “إسرائيل” تعاني اليوم من ذلك الأثر بعد عملية “طوفان الأقصى” فإن تعمق هذا الأثر واستمراره زمنياً سيفضي إلى نتائج كارثية على الاقتصاد الصهيوني مستقبلاً، وهذا حال السياحة أيضاً في دول كلبنان، الأردن، مصر، العراق، تركيا وغيرها، وإن بنسب متفاوتة تبعاً لدرجة تدخل كل دولة ومدى ارتباطها بتوسع المواجهة المحتملة.

-ولأن المنطقة تشكل بالعموم، وإضافة إلى ما تنتجه وتصدره من نفط وغاز وثروات طبيعية متعددة، عاملاً مؤثراً في تركيبة الاقتصاد العالمي من حيث ما تستورده من سلع وبضائع والمقدرة قيمتها بأكثر من 810 مليار دولار، وما تستقطبه من استثمارات عالمية في مختلف المجالات وهي بلغت في العام الماضي حوالي 200 مليار دولار، فإن اندلاع مواجهة شاملة في المنطقة من شأنه أن يهدد الاقتصاد العالمي بمرحلة جديدة من تراجع النمو وارتفاع معدلات التضخم، وربما لهذا الأمر تضغط الدول الغربية لمنع أي توسع للصراع، وإن كانت تتمنى أن يستمر العدوان الإسرائيلي عسى أن يخلق واقعاً جديداً في المنطقة يحمي مصالحها ويأتمر بسياساتها.

– أكل الثور الأبيض:

لا شك أن توسع المواجهة إقليمياً ليس بالقرار السهل على محور المقاومة، الذي يعي تماماً أنه سيكون في مواجهة خسائر بشرية وعسكرية واقتصادية ليست قليلة، لكنه في مقاربة هذا الملف ينطلق من معادلته الشهيرة القائلة: إن كلفة المقاومة ستكون أقل بكثير من كلفة الاستسلام، إذ إن تمكن العدو الصهيوني اليوم، وبدعم أمريكي صريح ومعلن، من الاستفراد بفصائل المقاومة الفلسطينية في الأراضي العربية المحتلة وتعطيل قدراتها وإمكانياتها، يعني عملياً أن الهدف الثاني سيكون الفصائل الأخرى الموجودة في لبنان، سوريا، والعراق، تماماً كما يقول المثل الشعبي الشهير:” أكلت عندما أكل الثور الأبيض”.

اقرأ أيضاً