زياد غصن || أثر برس يناقش مجلس الشعب حالياً مشروع مرسوم يضمن حل وتصفية الشركة السورية لتوزيع المطبوعات، التي عملت ما يزيد عن أربعة عقود من الزمن، على نقل المطبوعات المحلية والعربية والأجنبية وتوزيعها على جميع الأكشاك والمكتبات في المحافظات والمناطق السورية المختلفة.
وحسب مشروع المرسوم الذي أحالته الحكومة إلى مجلس الشعب، فإن وزارة الإعلام ستتولى منح الموافقات على إدخال وإخراج الكتب والمطبوعات الصادرة عن دور النشر داخل البلاد وخارجها، فيما ستتولى مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر والتوزيع، توزيع المطبوعات الدورية وغير الدورية، وتنظيم الاشتراكات للمؤسسات العامة والخاصة بالمطبوعات وإيصالها للمشتركين، وبيع الكتب، والمشاركة في معارض الكتب.
وفيما يتعلق بمصير عاملي الشركة، فإن مسودة المشروع نصت على اعتبار العاملين الدائمين في الشركة المذكورة منقولين حكماً إلى الإدارة المركزية في وزارة الإعلام والجهات التابعة لها أو المرتبطة بها، أما الفقرة المثيرة للتساؤل فهي المتعلقة بالعاملين المؤقتين والمتعاقدين، والذين حسب ما هو مقترح سوف يستمرون بالعمل “لحين انتهاء عقودهم ما لم تجدد أو تمدد أصولاً”، وهذا ما يثير مخاوف العاملين المؤقتين من إمكانية ألا يصار إلى تجديد عقودهم السنوية ما دام مشروع المرسوم ترك الباب موارباً لجهة تجديد عقود هؤلاء من عدمه.
وهذه هي المرة الثانية التي يصار إلى محاولة “وأد” الشركة، ففي المرة الأولى تم دمجها مع مؤسسة الوحدة المتشكلة من دمج مؤسستي الوحدة وتشرين في إطار مشروع الدمج الشهير في العام 2005، والذي يحمّله كثيرون المسؤولية المباشرة عن تدهور الصحافة الورقية الرسمية، وفي كلا المرتين تحافظ وزارة الإعلام على مهام ومسؤوليات الشركة إلا أنها تنقل تلك المهام والمسؤولية إلى جهة أخرى، ففي الأولى جرى نقلها إلى مؤسسة الوحدة، وحالياً المقترح نقل تلك المهام إلى وزارة الإعلام ومؤسسة الوحدة المتوقفة أساساً عن طباعة الصحف منذ ثلاثة أعوام تقريباً.
الشركة التي كانت تارة ضحية تجارب وزراء الإعلام، وتارة أخرى ضحية الحرب بفقدانها وكالة توزيع مئات المطبوعات العربية والأجنبية، والتي كانت تشكل رافداً مالياً هاماً، حاولت خلال السنوات السابقة تكيف وضعها مع ظروف الحرب المتمثلة في وقف طباعة الصحف المحلية ومنع إدخال المطبوعات الخارجية، فعمدت إلى تأجير بعض طوابق البناء الذي تشغله في البرامكة لمؤسسات عامة وهو ما مكنها من تأمين رواتب موظفيها، فضلاً عن محاولتها منذ حوالي عامين إضافة أنشطة أخرى إلى مهامها كنقل البريد بين المحافظات وتأسيس شراكات مع القطاع الخاص، ورفعت بهذا الخصوص اقتراحات عدة للحكومة لم تجد طريقها للنقاش والاهتمام.
وإذا ما وجد مشروع المرسوم طريقه إلى الإقرار في مجلس الشعب ومن ثم الصدور، فإن الشركة السورية لتوزيع المطبوعات ستكون أول شركة عامة تجري تصفيتها، في الوقت الذي يوجد فيه شركات صناعية متوقفة عن العمل منذ حوالي عقدين من الزمن، وأخرى خاسرة وما تزال مستمرة، فهل ستكون الشركة السورية لتوزيع المطبوعات المدخل لتصفية شركات القطاع العام بحجة خسارتها فيما يعلم الجميع أنها مخسّرة وليست خاسرة؟ أم أن الأمر مرتبط فقط بوزارة الإعلام ولن يتعداها إلى قطاعات أخرى؟
ربما القصة التالية، التي كنت شاهداً عليها بصفتي الصحفية، تشرح كيف أن هذه الشركة كانت مخسّرة، إذ إن أحد المدراء العامين الذين تعاقبوا على إدارة الشركة خلال سنوات الحرب حاول إقناع وزير الإعلام آنذاك بإدخال بعض المطبوعات الخارجية لتنشيط عمل الشركة، وتحديداً المطبوعات التي لا علاقة لها بالسياسة والتي لا تصدر في دول اتخذت موقفاً عدائياً من الحكومة. إلا أن الوزير آنذاك رفض بشدة، واللافت في الحادثة المشهورة أنه بعد أيام قليلة كانت بعض هذه المطبوعات موزعة في الأسواق المحلية عبر إحدى الشركات الخاصة.