أثر برس

كتب زياد غصن.. وفيات الجلطات القلبية في سوريا: الزيادة أكيدة لكن نسبتها في عالم الغيب!

by Athr Press B

زياد غصن ـ خاص|| أثر

طفلة يتوقف قلبها وهي على مقعد الدراسة، صيدلانية لم يتجاوز عمرها 25 عاماً تموت بجلطة قلبية، معيد في كلية الإعلام بجامعة دمشق يخذله قلبه، وهو في ذروة نشاطه العلمي. وعشرات الحالات الأخرى التي ذهب ضحيتها خلال العامين الأخيرين أشخاصاً في مقتبل العمر، وأحياناً أخرى أطفالاً، نتيجة تعرضهم لما قيل أنها سكتة أو جلطة قلبية.

إلى الآن، ليس هناك من تفسير رسمي لما حدث ويحدث من وفيات، أو على الأقل إجابة علمية وموضوعية على تساؤلات محقة للمواطنين من قبيل: هل فعلاً زادت أعداد وفيات السكتة أو الجلطة القلبية؟ وما هي الأسباب العلمية لانتشار الإصابة بالأمراض القلبية بين الأطفال والشباب؟ هل هذا له علاقة بالوضع الاقتصادي والاجتماعي الضاغط على حياة المواطنين؟.

ليست المرة الأولى التي نحاول فيها الوصول إلى بيانات حول أعداد الوفيات في البلاد ومسبباتها. إذ باستثناء ما ينشر سنوياً في المجموعة الإحصائية حول توزع الوفيات المسجلة في البلاد، والمستندة أساساً على البيانات المستقاة من سجلات الأحوال المدنية، فكل ما يُنشر لا يعدو كونه اجتهادات بحثية أو تقديرات غير معروفة المنهجية. وهذا للأسف ما يفسح المجال لانتشار معلومات كثيرة غير موثقة تتسبب أحياناً بصناعة رأي عام ما. وحتى البيانات التي تنشرها المجموعة الإحصائية فإنها تبقى موضع شك لعدة اعتبارات أبرزها أن هناك وفيات لا يجري أو تتأخر إجراءات تسجيلها رسمياً من قبل أسر المتوفين.

كوفيد19

يجمع معظم الباحثين في الشأن السكاني على أن معدلات الموت في البلاد عادت لترتفع خلال العامين الأخيرين نتيجة عاملين أساسيين هما: انتشار فيروس كوفيد 19 بدءاً من منتصف شهر آذار من العام 2020، والضغوط الاجتماعية والنفسية التي زادت معدلاتها على خلفية التدهور المفاجئ في الوضع الاقتصادي المحلي. ومع أن وزارة الصحة كانت تعلن بشكل شبه يومي أعداد الإصابات المسجلة بالفيروس والوفيات الناجمة عنها، إلا أنها بيانات ظلت تفتقد إلى تمثيل دقيق للواقع بالنظر إلى كونها كانت تهتم فقط بتسجيل عدد الإصابات المسجلة رسمياً من قبل المستشفيات وبعد إجراء المسحات المتعارف عليها. كذلك الأمر بالنسبة للوفيات. ولهذا فإن الحديث عن نسبة زيادة الوفيات في البلاد ظلت خاضعة للتكهنات الشخصية من ناحية والاجتهادات البحثية من ناحية ثانية، إلى أن أصدر المكتب المركزي للإحصاء مجموعته الإحصائية للعام 2021، وفيها تبين أن أعداد الوفيات المسجلة في العام 2020 وفق سجلات الأحوال الشخصية، وفي المناطق التي وردت منها تلك البيانات، بلغت حوالي 59.7 ألف وفاة، ولدى مقارنتها مع وفيات العام السابق 2019 يتبين وجود زيادة قدرها 3353 وفاة، أي أن هناك زيادة في عدد الوفيات بين عامي 2019 و2020 بنسبة قدرها 5.9%. وغالباً ما تعزى أسباب هذه الزيادة إلى الوفيات الناجمة عن الإصابة بفيروس كورونا. فالعام 2020 كانت بداية انتشار فيروس كوفيد 19.

ومع ذلك لا يمكن الجزم أن تلك الزيادة المتحققة تشكل العدد الحقيقي لوفيات كورونا لأسباب عدة. وحسب ما يشير الدكتور طارق العبد فإن “الزيادة المتحققة في أعداد الوفيات خلال العامين الأخيرين حصلت نتيجة عدة أسباب. ففي مرحلة ما كان السبب هو انتشار فيروس كورونا، والجسم الطبي خسر عدداً كبيراً من الأطباء والكوادر الطبية ومن أعمار شابة أيضاً. لكن هناك أسباب أخرى لها علاقة بالإصابات القلبية بالدرجة الأولى، وهي من أكثر الأسباب شيوعاً في وفيات الشباب، ثم تأتي حوادث السير، فالانتحار”. ويضيف في تصريح خاص لـ “أثر برس” أن “بعض حالات الشباب الذين توفوا جراء أمراض قلبية جرى ربطها بتلقي هؤلاء لجرعات من اللقاح المضاد لفيروس كورونا، إنما هذا يبقى مجرد افتراضات أو تكهنات ما دام ليست هناك بحوث ودراسات علمية”.

وعلى ذلك، فإن حسم مسألة نسبة زيادة أعداد الوفيات جراء الأزمات القلبية المفاجئة، لاسيما بين الأطفال والشباب، يرتبط بتوفر أرقام وبيانات إحصائية ترصد هذه الظاهرة. وهذا كما يؤكد الدكتور زاهر حجو مدير هيئة الطب الشرعي “غير متوفر حتى الآن، وليست هناك جهة تملك مثل هذه البيانات بالنظر إلى أن الكثير من الوفيات الطبيعية، أي التي لا تثار حولها شبهة جرمية، لا تخضع لكشف الطبيب الشرعي. والأهم أن معظم أسر المتوفين ترفض بشكل قاطع إجراء أي تشريح للجثة”. ويضيف في تصريح خاص لـ “أثر برس” أنه حسب دراسة أجرتها مؤخراً هيئة الطب الشرعي فإن “نسبة الحالات التي جرى فيها تشريح للجثة لا تتعدى 2.5% على مستوى البلاد. وغالباً ما تكون هذه الحالات هي المثار حولها شبهة جرمية، وعندئذ يجري تشريح الجثة بقرار من القاضي بناء على طلب من الطبيب الشرعي، ومن دون انتظار لموافقة الأهل”.

 

المشاهدات الحية

عندما تغيب الأرقام والبيانات الإحصائية الدقيقة والمباشرة، فإن البديل يكمن في المشاهدات الحية للأطباء في محاولة لرصد بعض ملامح الظاهرة، وتحريض المؤسسات الصحية على التدقيق أكثر في المعلومات المثارة وحسم الجدل القائم حولها. ويشير الدكتور حجو في هذا السياق إلى أنه مع دراسة الظاهرة بشكل أعمق، والطب الشرعي سيعمل على ذلك من خلال تحليل البيانات والمعطيات المتعلقة بالوفيات خلال فترة زمنية معينة، لكن ذلك يحتاج إلى تعاون أكبر من الأهل، لجهة إعطاء المعلومات الطبية الصحيحة المتعلقة بالمتوفين وسجلاتهم المرضية.

المؤثر فيما يجري تداوله على شبكات التواصل الاجتماعي، هو الحديث عن وفيات بعض الأطفال جراء إصابتهم بأمراض قلبية. هنا يميز الدكتور سمير مرعي أستاذ طب الأطفال في كلية الطب بجامعة دمشق في الحديث عن وفيات الأطفال بين مرحلتين: الأولى هي التي شهدت انتشار لفيروس كورونا. وحسب الدكتور مرعي فقد ازدادت خلال جائحة كورونا، وبشكل ملحوظ وكبير، إصابات الأطفال بمرض “كاوازاكي” المحرض بالإنتان، وخاصة بـ “كوفيد 19″، وهو التهاب أوعية يصيب شرايين القلب، ويصيب أعضاء متعددة بأذية مناعية، وازدادت نسبة الوفيات بسبب ذلك. أما المرحلة الثانية كما يضيف الدكتور مرعي في تصريحه لـ “أثر بريس” فهي المرحلة الحالية، ويقول عنها: “على مستوى عملي في العيادة الخاصة به، وعلى الرغم من ضغط العمل وأعداد المراجعين، لم ألاحظ ولم أسمع بحدوث زيادة ذات أهمية في وفيات الأطفال بهذا السبب. كما أنني لم أجد من خلال متابعاتي العلمية عن طريق صفحات طبية محلية وعالمية وجود زيادة في هذه الوفيات عند الأطفال. نعم سمعت بازدياد هذه الحالات في فئة الشباب بين 20 و50 سنة. وأعتقد أنها تعزى إلى كورونا وإلى الشدات النفسية الناتجة عن الإحباط والوضع المادي والمعيشي السييئ جداً، ومخلفات وآثار الحرب القذرة”. وينصح في هذا المجال بمراجعة مشفى الأطفال في دمشق للحصول على بعض الأرقام التي قد تضيء جانباً من المشكلة.

لدى الشباب تتعدى أسباب الإصابة بالأمراض القلبية، ويلخصها الدكتور العبد بالتدخين أولاً، إذ أن كل شخص مدخن ترتفع لديه فرص الإصابة بأمراض قلبية منذ السيجارة الأولى. ثم الأشخاص الذين لديهم ارتفاع توتر شرياني، داء السكري، البدانة، فرط الشحوم، نمط حياة غير متوازن وصحي، والضغوط النفسية. وهنا كثيراً ما كنا في أقسام الطوارئ نستقبل أشخاصاً يعانون من أعراض صدرية تدل على وجود أمراض قلبية، لكن عندما كنا نجري لهم تخطيطاً للقلب لا تظهر أي إصابة. ومع الاستفسار أكثر منهم يتضح أنهم كانوا يعانون من ضغوط نفسية أدت إلى حدوث مثل هذه الأعراض.

وكمؤشر على تزيد المخاوف من الأمراض القلبية أو زيادة شكوك التشخيص الطبي الأولى، فإن البيانات الرسمية تظهر أن المواطنين الذين أجروا تخطيط قلب “إيكو” في مستشفيات الدولة وصل عددهم في العام 2020 إلى أكثر من 411.4 ألف موطن، بينما كان عددهم في العام 2012 حوالي 379 ألف مواطن أي بنسبة زيادة قدرها 8.4% هذا رغم التباين الحاصل في عدد السكان بين العامين المذكورين ، وعدد المستشفيات والمركز الصحية الحكومية التي كانت لا تزال موضوعة في الخدمة.

 

الاعتقاد والحقيقة

أكثر ما عزز القناعة بشيوع ظاهرة الوفاة بجلطات قلبية هي الأخبار التي تتناقلها شبكات التواصل الاجتماعي بشكل شبه دائم، والمتعلقة بوفيات شباب وأطفال، إما يشار بوضوح إلى إصابتهم بجلطة قلبية أو توقف قلب مفاجئ لكن من دون الإشارة إلى السوابق المرضية للوقوف على حقيقة ما حدث، أو من دون الإشارة إلى أسباب الوفاة. وهنا يعلق الدكتور العبد قائلاً: “إن ما تنشره الصفحات الطبية المتخصصة من أخبار عن وفيات لزملاء بأعمار شابة عادة ما تكون هناك أسباب واضحة مثل: ضغط العمل، الأورام، حوادث السير، وهناك أسباب أخرى كثيرة”.

ولا يستبعد البعض أن يكون دخول شبكات التواصل الاجتماعي على خط نشر أخبار الموت سبباً في اعتقاد الرأي العام بوجود تواتر كبير في أعداد الوفيات، لاسيما وأن مثل هذه الأخبار لم تكن تنشر في وسائل الإعلام، ولم يعتد المواطن على سماعها إلا ضمن نطاق منطقة سكنه الجغرافي، وأحياناً ضمن محيطه الاجتماعي. لكن ذلك لا يلغي في جميع الأحوال الحضور المتزايد لظاهرة الوفيات بالأمرض القلبية المفاجئة، لاسيما خلال العامين الأخيرين حيث زاد، وبشكل هائل جداً، حجم الضغوط الاقتصادية والاجتماعية والنفسية التي تواجهها الأسر السورية.

اقرأ أيضاً