كتب زياد غصن في أثر برس|| كان لافتاً، ما ورد في البيان المالي لموازنة العام القادم لجهة الشواغر المتوفرة على ملاكات جهات القطاع العام، والتي قدر عددها في جهات القطاع الإداري بأكثر من 63 ألف شاغر، وفي جهات القطاع الاقتصادي بحوالي 23.8 ألف شاغر، وليكون بذلك إجمالي الشواغر المتوفرة حوالي 87 ألف شاغر، وهو رقم كبير رغم عدم دقته، بالنظر إلى أن مصدره كان نقاشات المعنيين أثناء إعداد الموازنة، وليس نتيجة عملية تدقيق وجرد موضوعي لملاكات جميع المؤسسات والجهات العامة.
لكن، إذا ما تمت العودة إلى بيانات المكتب المركزي للإحصاء، ومقارنة إحصائياتها حول عدد العاملين في الدولة لعامي 2010 و2019 لوجدنا أن عدد العاملين تراجع من حوالي 1.102 مليون عامل في نهاية العام 2010إلى حوالي 919.8 ألف عامل، أي حوالي 182 ألف عامل وبنسبة انخفاض قدرها 16.5%.
هذا الانخفاض له مبرراته، والتي يمكن حصرها بالنقاط التالية:
-إحالة عدد من العاملين على التقاعد لبلوغهم السن القانوني أو لإتمامهم سنوات الخدمة المطلوبة، لاسيما مع تشدد الحكومة خلال السنوات الأخيرة في منح الموافقة على تمديد خدمة شريحة من العاملين.
-اعتبار كثير من العاملين بحكم المستقيل أو صرف آخرين من الخدمة لاعتبارات عديدة بعضها متعلقة بترك العمل من دون موافقة رسمية، وبعضها الآخر خاص بظروف الأزمة وتداعياتها وبإجراءات مكافحة الفساد، وغير ذلك.
-وقف أو تراجع عدد مسابقات التعيين والتعاقد التي أجرتها الوزارات والمؤسسات خلال السنوات السابقة، الأمر الذي أبقى عدداً كبيراً من الشواغر دون ملء، سواء كان ذلك لأسباب مالية نتيجة تراجع إيرادات الخزينة العامة بشكل كبير، أو لوجود رغبة حكومية بتقليص عدد العاملين في المؤسسات العامة.
إلى الآن يبدو الوضع متوقعاً، مقارنة بحجم التأثيرات الاقتصادية والاجتماعية الناجمة عن سنوات حرب كارثية أتت على عقود من التنمية، لكن يصبح الأمر جديراً بالبحث والتدقيق عندما يتضح أن عدداً ليس بالقليل من العاملين الذين تركوا مؤسسات الدولة سافروا للعمل في دول أخرى، وهذا ما تشير إليه مثلاً مصادر خاصة في وزارة النفط أكدت أن الكثير من خبراتها وكفاءاتها هاجرت من البلاد بحثاً عن فرص عمل أفضل في الخارج، فهناك من يعمل اليوم في الجزائر وبعض الدول الإفريقية برواتب جيدة، وهناك من يعمل في العراق مثلاً برواتب مقبولة قياساً إلى خبرته، إضافة إلى المتعاقدين مع الشركات النفطية الأجنبية. وتضيف تلك المصادر أن عدد العاملين في وزارة النفط ومؤسساتها وشركاتها تراجع بأكثر من 10 آلاف عامل في السنوات الماضية، ومن المستبعد أن يكون كل هؤلاء من المتقاعدين في الوزارة، إذ من غير المنطقي القول إن عدد المتقاعدين سنوياً في الوزارة يصل إلى ألف عامل، الأمر الذي يؤكد أن شريحةً كبيرةً خرجت من الوزارة بحثاً عن فرص أفضل في الداخل والخارج.
وتأكيداً على ما سبق، فإن مقارنة أعداد العاملين في أهم الوزارات الإنتاجية والخدمية، يظهر أن النقص كان كبيراً في هذه الوزارات خلال سنوات الحرب، أو لنقل إن النقص شكّل نسبة كبيرة من إجمالي التراجع الحاصل في عدد العاملين، إذ بلغت هذه النسبة في الوزارات الست المذكورة سابقاً حوالي 72% من إجمالي التراجع الحاصل في عدد العاملين والبالغ 182 ألف عامل، وحوالي39% في حال تم استبعاد وزارة التربية،
وبالتفصيل فإن مقارنة أعداد العاملين في وزارات الدولة بين عامي 2010 و2019 تخلص إلى أن وزارة الصناعة مثلاً شهدت انخفاضاً كبيراً في أعداد عامليها خلال الفترة المدروسة وصل إلى أكثر من 32 ألف عامل، وفي النفط والثروة المعدنية حوالي 12.9 آلاف عامل، الكهرباء حوالي 7 آلاف عامل، الاتصالات حوالي 9 .2 آلاف عامل، التربية أكثر من 60 ألف عامل، والصحة 9.8 آلاف عامل.
حسب معلومات “أثر برس” فقد جرت دراسة في رئاسة الوزراء قبل حوالي ثلاث سنوات حول هذا الملف، وخلصت إلى نتائج هامة، لكن بقيت مجرد دراسة لم تحفز الحكومة على تبنّي سياسات وإجراءات تحافظ على ما تبقّى من كفاءات وخبرات في مؤسسات الدولة وجهاتها العامة..!