زياد غصن || أثر برس يتفق اقتصاديو البلاد على أن توفر أنواع مختلفة من السلع والبضائع في الأسواق المحلية ليس مؤشراً على تحسن معدلات الإنتاج المحلي، وهو أيضاً ليس مؤشراً على وجود تحسن في القوة الشرائية للمواطن السوري، فالعامل الحاسم هنا يكمن في قدرة المواطنين على الوصول إلى تلك السلع والبضائع وتمكنهم اقتصادياً من شراء ما يحتاجونه من كميات، وهذا يتخلله صعوبات عدة أبرزها التضخم الجامح الذي يلتهم يوماً بعد يوم دخول المواطنين، ويقلص تالياً من قدرتهم على شراء ما يحتاجونه والاكتفاء بالأولويات، وعليه فإن الكميات السلعية المعروضة حالياً في الأسواق هي عاجزة عن تلبية حاجة الاستهلاك المحلي فيما لو عادت الأسعار والدخول إلى سابق عهدها قبل الأزمة.
ويمكن مقاربة ذلك مثلاً من خلال تتبع واقع إنتاج المحاصيل الزراعية، إذ تشير تقديرات وزارة الزراعة إلى أنه، ونتيجة صعوبة توفير مدخلات الإنتاج وارتفاع تكاليفه، فقد تراجع حجم الإنتاج الزراعي من حوالي 17 مليون طن كمتوسط للفترة الممتدة بين عامي 2000-2011 إلى حوالي 11.9 مليون طن عام 2021، أي بما نسبته -30%، وتضيف تلك التقديرات أن المساحات المزروعة تراجعت هي الأخرى من حوالي 4.7 مليون هكتار عام 2010 إلى حوالي 3.9 مليون هكتار عام 2015، وعلى الرغم من الجهود لزيادة هذه المساحات إلا أنها لم تصل إلى أكثر من 4.1 مليون هكتار كمتوسط للفترة الممتدة بين عامي 2011-2021. أي أن نسبة التراجع كانت بأكثر من 12.7%”.
وعليه يمكن القول إن كميات المحاصيل الزراعية المنتجة محلياً والمطروحة للاستهلاك في الأسواق السورية تراجعت هي الأخرى بالنسبة نفسها، والتي كانت قد وصلت في العام 2021 إلى حوالي 30% كما هو مشار سابقاً، لكن مع ذلك فإن هذا الانخفاض لم يكن ملحوظاً أو مؤثراً في الأسواق المحلية نتيجة تراجع معدلات الاستهلاك بفعل التضخم المستمر وتآكل دخول المواطنين وانزلاق الكثيرين منهم إلى خانة الفقر، وتأكيداً على ذلك فإن توقعات وزارة الزراعة التي حصل عليها “أثر برس” تشير إلى أن نسب التلف في المنتجات الزراعية ارتفعت خلال سنوات الأزمة بشكل واضح، فهي مثلاً في المحاصيل الغضة والرهيفة كالفريز والمشمش والتوت والخضار الورقية ارتفعت من حوالي 15% قبل العام 2011 إلى حوالي 30% حالياً، وفي باقي المنتجات من الخضار والأشجار المثمرة ارتفعت من حوالي 7% إلى حوالي 12%، أما بالنسبة للحبوب الجافة فقد كانت أقل من 3% وأصبحت اليوم بحدود 5%.
في جميع الحالات فإن نسبة التلف لجميع المنتجات الزراعية شهدت خلال فترة الأزمة زيادة كبيرة، وبحسب مصدر خاص في وزارة الزراعة تحدث لـ”أثر برس” فإن المقصود بالفاقد أو بالتلف فهو ضمن سلسلة التسويق من لحظة القطاف وحتى مرحلة شراء المنتج عند بائع المفرق.
عموماً هناك عدة أسباب لتلف المنتجات الزراعية منها ما يلي: تراجع معدلات الاستهلاك بشكل كبير بدليل ظاهرة الاقتصاد في الشراء والاكتفاء بكميات قليلة جداً، الصعوبات التي تواجه عمليات النقل بين مناطق الإنتاج وأسواق الهال ومحلات البيع للمستهلكين، أثناء جني المحصول لاسيما مع غياب العمالة الزراعية المدربة، فضلاً عن الأوضاع الأمنية التي كانت تمنع المزارعين أحياناً من الوصول إلى حقولهم ومحاولة جني محاصيلهم الزراعية.
هذه المعلومة الجديدة تضيف مهمة جديدة للفريق الحكومي، ألا وهي العمل على مساعدة المزارعين للتخفيض من نسبة التلف في محاصيلهم الزراعية، فإذا افترضنا جدلاً أن وسطي الكميات التالفة من جميع المنتجات الزراعية تشكل ما نسبته حوالي 10%، فهذا يعني أن هناك منتجات بقيمة تزيد على 770 مليار ليرة تتعرض للتلف جراء الأسباب السابقة وذلك اعتماد على قيمة الإنتاج الزراعي النباتي بالأسعار الجارية والمقدرة للعام 2021، وتالياً فإن أي جهد حكومي يثمر في الحد من تأثير الأسباب المسببة للتلف فهذا يعني زيادة المعروض السلعي من المنتجات الزراعية في الأسواق المحلية وتقليل خسائر المزارع ومساعدته على الاستمرار بالزراعة في ظل الظروف الحالية الصعبة، وبالنتيجة فإن المستفيد هو الاقتصاد الوطني.