دفعت الأوضاع الاقتصادية و الظروف المعيشية معظم دول العالم إلى رفع بعض الإجراءات الاحترازية للوقاية من فيروس كورونا المستجد وخصوصاً في منطقة الشرق الأوسط، وتزامنت هذه الإجراءات مع تأكيد منظمة الصحة العالمية على أن خطورة الفيروس لاتزال قائمة واحتمال انفجاره من جديد لا يزال قائم.
بعد أن تم الإعلان عن إجراءات الحجر المنزلي في معظم دول العالم بدأت العديد من الأوساط تتحدث عن مصير الوضع الاقتصادي للأفراد وكيف يمكنهم كسب قوت يومهم لا سيما الأشخاص الذين لا يمكن أن ينجزوا أعمالهم من المنزل، وأنذرت الإحصائيات أنه في حال طالت فترة الحجر فسنشهد ارتفاع كبير في مستوى الفقر حول العالم لا سيما في منطقة الشرق الأوسط، حيث توقعت لجنة الأمم المتحدة الاجتماعية والاقتصادية لغرب آسيا “إسكوا” حينها أن ينضم أكثر من ثمانية ملايين عربي إلى “عداد الفقراء” في المنطقة جراء انتشار فيروس كورونا المستجد، مشيرة إلى أنه “سيُصنَّف ما مجموعه 101,4 ملايين شخص في المنطقة في عداد الفقراء، وسيبلغ عدد الذين يعانون من نقص في التغذية حوالي 52 مليوناً”.
هذا الواقع الاقتصادي فرض على دول العالم لا سيما في الشرق الأوسط الرفع التدريجي لإجراءات الحجر الصحي، خوفاً على شعوبها من الموت جوعاً، وعند رفع هذه الإجراءات تدريجياً في ظل الحديث عن استمرار خطورة الفيروس واحتمال ظهور موجة ثانية لانتشاره يعني أن شعوب دول العالم كافة لا سيما في منطقة الشرق الأوسط التي تعاني من نقص في المعدات والتجهيزات الطبية باتت أمام مسؤولية مضاعفة تحتم عليها أخذ الحيطة والحذر واتباع أساليب الوقاية أكثر من الفترة التي مضت بأضعاف، كما شددت منظمة الصحة العالمية على ضرورة رفع هذه الإجراءات بشكل تدريجي، حيث حذّر المدير العام للمنظمة أدهانوم غيبريسوس، من أن أيّ رفع متسرّع لإجراءات العزل الصحي قد يؤدي على عودة قاتلة للوباء.
وتعتبر السويد من الدول التي كان لها تجربتها الخاصة في التعامل مع انتشار فيروس كورونا، حيث اعتمدت الحكومة السويدية فقط على وعي شعبها، وجهّزت كافة الوسائل للالتزام بأساليب الوقاية والتباعد الاجتماعي، كما يستند تعامل السويد إلى الفعل الطوعي ومسؤولية الأفراد، فعلى سبيل المثال تُوصي السلطات الأشخاص الأكثر عُرضة للإصابة والأشخاص فوق سن السبعين عاماً بالبقاء في المنزل، كما اعتمدت مبدأ التعليم عن بعد والاستمرار، إضافة إلى التزام الشعب بالنصائح والتوصيات التي تقدمها دولتهم، وذلك وفقاً لما نقله موقع “ar.sweden.se”، ونقلت مجلة فورين أفيرز” عن اخصائيين أن أسلوب السويد في التعامل مع أزمة كورونا لاقى استحساناً من بعض الأوساط، لأنها تحافظ على وضع اقتصادي شبه طبيعي، وعلى نسبة وفيات أقل مقارنة بدول أوروبية أخرى مثل إيطاليا وبريطانيا وإسبانيا.
يبدو أننا انتقلنا من مرحلة مراقبة “عدّاد الإصابات” إلى مرحلة التعايش مع الفيروس، لكن وفقاً لما يؤكده المختصون فإن كلمة التعايش مع الفيروس لا تعني العيش بشكل طبيعي وإنما التعايش مع الأساليب الوقائية المتعلقة بغسل الأيدي والتعقيم والتزام المنازل قدر الإمكان والتباعد الاجتماعي وغيرها، وفي الوقت ذاته ممارسة العمل ليتمكن كل فرد من تأمين قوته اليومي.
وسورية هي أحد البلدان التي بدأت بتخفيف إجراءات الحجر الصحي بشكل تدريجي وذلك لحماية الوضع الاقتصادي، لكن في الوقت ذاته هذه الإجراءات لا تعني الخروج من دائرة الخطر، حيث قال الرئيس السوري بشار الأسد وخلال كلمة ألقاها أثناء اجتماع مجلس الوزراء: “إن أعداد المصابين القليلة لا تعني أبدا أننا خرجنا من دائرة الخطر، وتواضع الأرقام لا يعني أبدا أن هذه الأرقام المحدودة لا تنفجر فجأة خلال أيام وربما أسابيع قليلة”.
لكن للأسف المشاهد والصور التي تُنشر للأسواق والشوارع والتي تُظهر عدم التزام الشعب بالإجراءات الوقائية، يجعلنا معرضين أكثر لاحتمال ارتفاع عدد الإصابات وبالتالي فرض الحجر الكلي، ما يعني تراجع الوضع الاقتصادي أكثر، حيث سبق أن أكد الفريق الحكومي المعني بالتصدي لفيروس كورونا أن على المواطنين التعاون معهم حتى لا يضطروا إلى اللجوء لإجراء حظر كلي، ما يعني أننا في هذه المرحلة غير مطلوب من الشعب سوى القليل من الوعي والالتزام حتى لا نكون ضحية كورونا ولا ضحية الجوع والفقر.
زهراء سرحان