تتواصل المساعي الأمريكية بكافة السبل للحد من تنامي التنين الصيني الذي في حال عدم ترويضه، قد يبتلعها بعد سنوات، وقد تعيدنا الحرب الباردة بين الجانبيين التي تظهر طابع من الاحترام حالياً إلى تصريحات مستشار الأمن القومي الأمريكي المعزول جون بولتون في واشنطن يوم 27 نوفمبر تشرين الثاني 2018 والتي تحدث فيها عن وجود تهديد متنامي من عمق آسيا تبصره الولايات المتحدة وتتأهب له.
حيث قال بولتون خلال كلمة ألقاها في مؤسسة هريتدج للأبحاث: “إن الأولوية الأهم لدى واشنطن ستتمثل في تطوير علاقات اقتصادية في المنطقة… فالمنافسون على القوة العظمى، وتحديداً الصين، توجه استثماراتها في المنطقة عن عمد وعلى نحو عدائي لنيل أفضلية تنافسية على الولايات المتحدة”.
هذا التهديد الذي تحدث مستشار الأمن القومي الأمريكي عنه والذي يعكس استراتيجية الولايات المتحدة دفع الأخيرة للتفكير بحلول للحد من التنامي الصيني المتسارع، تلك الحلول التي ستقوم بها الولايات المتحدة إما أن تكون عسكرية وهي مستبعدة كون الصين قوة عسكرية حقيقة والولايات المتحدة خلال العقد الأخير لم تعد تتبع فكرة الاستراتيجية العسكرية المباشرة مع دول أضعف من الصين بكثير، أو اقتصادية، لكن تم اتباع استراتيجية أمريكية اقتصادية تجاه الصين والتي ظهرت بشكل جلي بعد قيام الرئيس الأمريكي بفرض رسوم جمركية بنسبة 10٪ على البضائع الصينية بقيمة 300 مليار دولار، والتي ردت عليها الصين بإجراءات مماثلة على منتجات أمريكية بـ50 مليار دولار، قبل أن يظهر للولايات المتحدة بأن هذه الطريقة غير فعالة لتعقد بعدها عدة اتفاقات اقتصادية كان آخرها قبل أيام في البيت الأبيض.
أما الأسلوب الثالث الذي أرادت اتباعه الولايات المتحدة يقوم على خلق نزاعات داخلية من شأنها أن تؤثر على الدورة الاقتصادية والعملية للصين، والتي ظهرت بشكل جلي من خلال المظاهرات في إقليم هونغ كونغ الذي طالب بالانفصال في تشرين الثاني من العام الفائت، ووصل الدعم الأمريكي آنذاك إلى حد قيام الرئيس الأمريكي بتوقيع قانون تحت مسمى “قانون حقوق الإنسان والديمقراطية الأمريكي” والذي ينص على مراجعة سنوية للتحقق مما إذا كانت هونغ كونغ تتمتع بقدر من الحكم الذاتي يؤهلها للاحتفاظ بالوضع الخاص في العلاقات مع الولايات المتحدة، وحينها انتقدت الصين توقيع ترامب للقانون، واستدعت وزارة خارجيتها السفير الأمريكي للاحتجاج، وقالت إنها ستتخذ “إجراءات مضادة صارمة”، متهمة الولايات المتحدة بأن لديها “نوايا شريرة”، إلّا أن تلك المطالبات أيضاً لم يكتب لها النجاح ولم تؤثر على الدورة الاقتصادية الداخلية للصين.
خلال الأيام القليلة الماضية ضج العالم بخبر ظهور فيروس ” كورونا” في مدينة ووهان الصينية والتي تقع في وسط الصين وتعتبر عقدة مواصلات ومركز رئيسي للنقل والذي في حال تم تعطيله فسوف تتأثر الدورة الاقتصادية الصينية الداخلية، ظهور هذا المرض في هذه المدينة الصينية ذات الموقع الحساس وفي هذا التوقيت دفع البعض للحديث على أنه فيروس تم تصديره من خارج الصين.
أول من تحدث عن الموضوع هو زعيم الحزب الليبرالي الديموقراطي الروسي، فلاديمير جيرينوفسكي والذي قال إن الفيروس الجديد يتفشى بسرعة هائلة من قارة إلى أخرى، مشيراً إلى أن نشره قد يكون أزمة مصطنعة لها دوافع اقتصادية من جانب أمريكا، التي تخشى من عدم قدرتها على منافسة الصين أو اللحاق بها اقتصادياً، مشيراً إلى أن لتفشي فيروس “كورونا” الجديد سابقات مثل “إنفلونزا الطيور” أو فرض حظر على استيراد لحم البقر البريطاني، في حين قال العضو السابق في لجنة الأسلحة البيولوجية التابعة للأمم المتحدة، إيغور نيكولين: “أشك في أن يكون الفيروس قد خرج من المختبر البيولوجي الصيني، فلقد تم اختيار توقيت ومكان الانتشار بشكل مثالي ووهان في قلب البلاد، ومركز رئيس للنقل، والانتشار جرى قبيل السنة الصينية الجديدة”.
فيما يرى أستاذ العلوم الطبية مدير مختبر التلقيح والعلاج المناعي ضد أمراض الحساسية بمعهد البحوث العلمية للقاحات والأمصال، ميخائيل كوستينوف في روسيا، إمكانية أن يكون فيروس كورونا قد نشأ في الصين.. لكن يستبعد أن يكون قد خرج من المختبر. فلو انتشر الفيروس في المختبر، لتفشى بين موظفي المعهد أولا، لكن ذلك لم يحدث، هذا وباء إقليمي، وأعتقد بأنه سوف يخمد بسرعة”.
قد يرى البعض بأن هذا الكلام جاء من قصص الخيال البوليسية وبعيد عن الواقع لكنه في حال العودة إلى عقدين أو ثلاثة عقود من الزمن يمكننا أن نرى انتشار فيروس السيدا أو ما يتعارف عليه بـ “الإيدز” والذي خيمت حالة من الضبابية على انتشاره، حتى ظهرت وثيقة سرية، مأخوذة من أرشيف وزارة الدفاع الأمريكية، ونشرها موقع “غلوبال بريس” وهي الوثيقة التي تشير إلى أن فيروس السيدا تم تصنيعه من طرف الإدارة الأمريكية نهاية السبعينات لأغراض متعلقة بالهيمنة على العالم، وتتحدث هذه الوثيقة السرية عن برنامج اسمه “فيزيبيليتي” تم الانتهاء منه سنة 1975، وهو نفس التاريخ الذي بدأ الحديث فيه عن فيروس السيدا في ذلك الوقت.
وعليه تكون كل المساعي الأمريكية التي فشلت في الحد من التطور الاقتصادي الصيني، وتاريخ الإدارة الأمريكية الذي يعتمد على مبدأ “الغاية تبرر الوسيلة”، وضعا الولايات المتحدة في خانة المتهم، ومما لا شك فيه بأن الأيام المقبلة والخبراء الطبيين سيظهر معهم مستقبلاً إن كان هذا الفيروس خارجي أم ظهر عن طريق الصدفة، فلا يمكن لأحد أن يجزم بهذا الموضوع لكن بعض المؤشرات تشير إلى وقوف أمريكا خلفه.