خاص|| أثر برس تعمل أنقرة منذ 3 سنوات على استغلال جميع الظروف والتغيرات المحلية والدولية لكسب تأييد دولي لتنفيذ مشروع “المنطقة الآمنة” التي أعلنت عنه على خلفية عملية “نبع السلام”، والتي سبقها عمليتين عسكريتين تحت مسميات “غصن الزيتون” وقبلها عملية “درع الفرات” وفي كل توغل كانت تقوم به تركيا في سوريا كان هناك اتفاقات ضمنية بين الدولة الموجودة على الجغرافيا السورية للوصول إلى اتفاقات تكون محط توافق بين جميع الأطراف.
واليوم لا يبدو المشهد مختلفاً كثيراً فخلال الأيام القليلة الماضية حصلت مواقف عدّة على خلفية الأحداث الدولية تشير للتنازلات التي قدمتها تركيا والمكاسب التي تريدها، وخصوصاً في الملف السوري وكان آخرها موافقة أنقرة الأولية على انضمام فنلندا والسويد إلى الناتو كونها عضواً في الحلف منذ عام 1952، وفي هذا السياق قال أستاذ العلاقات الدولية في جامعة صن يات سين- بكين الدكتور شاهر الشاهر في حديث لـ”أثر”: “إنه منذ بداية الحرب الأوكرانية تعاملت أنقرة ببراغماتية عالية مع ما يحدث، من منطلق إدراكها لحاجة موسكو لها في الوصول إلى البحر المتوسط عبر مضيق البوسفور، وحاجة الولايات المتحدة والغرب لها لإغلاق هذا المضيق بوجه السفن الروسية من جهة، وحاجتهم إليها بالموافقة على قبول انضمام كل من السويد وفنلندا الى حلف شمال الأطلسي بصفتها عضواً فيه، ولا يمكن أن يتحقق هذا الانضمام دون موافقتها”.
ولا تقتصر دوائر الضغط السياسية التركية في الملف السوري على العلاقات بين تركيا وجيرانها الشماليين والغربيين بل يتعداه إلى ملفات دول الخليج حيث يؤكّد الشاهر “حاجة دول الخليج إليها في تحقيق الاستقرار في المنطقة، وخاصة في الشمال السوري، والحاجة الماسة للمملكة العربية السعودية لإغلاق ملف الخاشقجي في ظل تراجع صحة الملك سلمان والفتور في العلاقات بين المملكة والولايات المتحدة الأمريكية، والرغبة في تحقيق الانتقال الآمن للسلطة في المملكة إلى ولي العهد محمد بن سلمان”، وهنا يتفق الشاهر مع ما أكّده أستاذ العلاقات الدولية الدكتور بسام أبو عبد الله لـ “أثر” بأنّ الجولة المكوكية التي قام بها ولي العهد السعودي هدفها التمهيد لمسألة تسلمه العرش الملكي، فهو بحاجة إلى شرعية دولية، زار تركيا لطي ملف اغتيال الخاشقجي مقابل استثمارات سعودية”.
ويرى أبو عبد الله أنّ “الملف السوري أصبح أداة ووسيلة للتفاوض بين الدول التي لا يعنيها من الأوضاع في سوريا إلا مصلحتها”، كما يشير الدكتور الشاهر إلى المواقف المتبادلة والتي تحكمها المصالح المشتركة بين الدول الأطراف في الملف السوريف، فبالرغم من نفي الأمريكيين طلب تركيا تقديم أيّ تنازلات لأنقرة مقابل الموافقة على الانضمام، إلا أنّ الخبراء ناقشوا مسألة التنازلات المحتملة التي حصلت عليها أنقرة من واشنطن، والتي يمكن أن تأتي ضمن حصول أنقرة على ضوء أخضر لبدء العملية العسكرية المرتقبة في شمالي سوريا بمساندة أمريكية وضمان تخفيض تسليح “قوات سوريا الديمقراطية- قسد”، حيث قال المحلل السياسي كمال جفا، في حديث مع “أثر”: “موافقة تركيا على ضم هاتين الدولتين يتعلق بحصولها على موافقة ضمنية ورفع الفيتو الأمريكي عن العملية التركية بالشمال”، إضافة إلى ذلك يرى الشاهر، أنّ تركيا لديها “مطالب أمنية تتعلق بالطلب من كل من فنلندا والسويد بتسليمها 33 شخصاً ينتمون إلى حزب العمال الكردستاني وجماعة فتح الله غولن اللذين تعتبرهما إرهابيين”، في حين نقل موقع “المونيتور” الأمريكي عن توقيع رئيس التركي رجب طيب أردوغان وثيقة مع رئيسي الوزراء السويدي والفنلندي اتفقا فيها على إنهاء دعمهما لوحدات حماية الشعب الكردي السوري (YPG) وذراعها السياسي، حزب الوحدة الديمقراطي (PYD)، وتعهدهما بتسليم 73 شخصية مطلوبة لأنقرة”.
لجميع هذه الأسباب وافقت تركيا على انضمام الدولتين مبدأياً إلى حلف شمال الأطلسي، مؤكدة بذلك، وفق رأي الشاهر، “أنه لا معنى للمبادئ في العلاقات الدولية، وأن المصالح كانت وستبقى هي المحدد الرئيس لسلوك الدول، وخاصة الدول الانتهازية، التي تعجز عن تحقيق الهوية الحقيقية لها، هل هي إسلامية أم علمانية؟، وهل هي مبدأية أم مصلحية؟”.
ماذا عن الدور العربي؟
يكتسب الدور العربي وخاصة الخليجي في سوريا أهمية خاصة أنّ دول الخليج ترتبط بمصالح مشتركة مع كل الدول الأطراف في الأزمة وهي كانت طرفاً فيها عندما قدّمت بعض الدول الخليجية دعماً مالياً للمجموعات المعارضة، فكيف يمكن أن يؤثر موقف هذه الدول على مواقف الدول الأخرى وخاصة تركيا؟، هنا يعتقد الشاهر أنّ “التحول في الموقف العربي من سوريا سيكون له تأثير كبير على ملف الشمال السوري، وكذلك في الحد من الأطماع التركية بالتوسع داخل الأراضي السورية، من خلال تفهم المخاوف الأمنية لأنقرة والعمل على إزالتها، والحرص على وحدة وسلامة الأراضي السورية، والدعوة إلى خروج كافة القوى الأجنبية من سوريا، تمهيداً للبدء في عملية إعادة الإعمار التي يبدو جلياً أنها لن تتحقق إلا بعد التوصل إلى حل سياسي في سوريا، ولن تمول إلا بأموال عربية خليجية بالدرجة الأولى”.
بالمحصلة، يعتقد الخبراء أنّ موافقة تركيا على انضمام الدولتين سيحقق مصالحها بالتأكيد وربما تأجيل العملية العسكرية التي أعلنت أنقرة مؤخراً تأجيلها لهذا الأمر، وإلا ستعرقل إجراءات الانضمام لأن الموافقة ليس المرحلة النهائية فهناك إجراءات أخرى تتطلب موافقة البرلمانات في الدول الأعضاء في الحلف وهذا ما يؤكدّه تهديد الرئيس التركي في حال لم يحصل على الوعود التي قدمت له، ويؤكّد ذلك ما نقله “المونيتور” عن الرئيس التركي بقوله: “إن هذه الصفقة لن تتحقق ما لم يوافق عليها برلماننا، يجب أن تظل السويد وفنلندا وفية لتعهداتهما؛ وإلا فمن غير الوارد عرض عضويتهما أمام البرلمان التركي”.
قصي المحمد