بدء القوات السورية لعملياتها العسكرية في الجنوب السوري أبرز تبايناً واضحاً بين الموقف السياسي والعسكري لدى معظم القوى الدولية الداخلة في الحرب السورية، خصوصاً بعدما أبلغت واشنطن فصائل المعارضة في الجنوب بعدم انتظار دعمها لهم، إضافة إلى ما كشفته الخارجية الروسية عن المخطط الأمريكي واختلاف أولوياته، ما يشير إلى سياسة جديدة تنوي أمريكا اتباعها في سوريا والشرق الأوسط بشكل عام.
واهتمت الصحف العربية والأجنبية بتفسير كل تغيير أمريكي على حدى وطرح وجهات نظرها حوله، حيث قالت صحيفة “القدس العربي“:
“تخلي الولايات المتحدة الأمريكية عن المعارضة السورية في الجنوب، وانسحابها من الاتفاق الثلاثي الموقع مع الأردن وروسيا، تزامن مع دخول روسيا على سير المعارك، إذ تركز قصف المقاتلات الحربية على الريف الشرقي من درعا، وذلك بهدف عزل منطقة اللجاة عن المحافظة، تمهيداً لتجزئة المنطقة لقطاعات والتفرد بكل منها على حدة.. السؤال الملح الآن هل كان لروسيا ان تفعل ذلك لولا التفاهمات الدولية والإقليمية، فصائل المعارضة المنتشرة في درعا والقنيطرة فسرت الرسالة الأمريكية على أنها نعي لاتفاق خفض التصعيد”.
وصحيفة “رأي اليوم” اللندنية اعتبرت أن صلاحية فصائل المعارضة انتهت لدى واشنطن، حيث ورد فيها:
“دور الفصائل المسلَّحة في المعارضة السوريّة أوشك على الوصول إلى نهايته إن لم يكن قد انتهى فعلاً، والداعمون الأمريكان والعرب تخلّوا عنها، بعد استنفاذ أغراضها، ويظَل السّؤال الأهم هو: أين ستكون الجبهة المقبلة للجيش العربي السوري؟ شرق الفُرات؟ أم إدلب؟ نرجّح الأولى، وترك الثانية في الوقتِ الرّاهن للصّراعات الدمويّة المتفاقمة بين الفصائل الموجودة على أرضها، سواء لخلافات عقائدية أو على مناطق النُّفوذ، ولكنّه تأجيل إلى حين، ووِفق تخطيط مدروس”.
أما “الحياة” السعودية فتناولت الوساطة الروسية بين الكيان الإسرائيلي وواشنطن، فجاء فيها:
“الصفقة الإسرائيلية عبر موسكو غير ممكنة من دون ضوء أخضر أميركي، وربما يتعدى الأمر وجود ضوء أخضر لتكون تل أبيب بمثابة قناة تفاوض خلفية في الشأن السوري بين واشنطن وموسكو، هذا الاحتمال يعززه الانسحاب الأميركي الواضح من الشأن السوري بشقيه السياسي والعسكري، معطوفاً على رغبة ترامب المعلنة في استعجال الانسحاب من سوريا، قبل أيام قليلة من الهجوم على جبهة الجنوب، شهدنا صفقة أميركية- تركية لسحب المقاتلين الأكراد المدعومين أميركياً من مدينة منبج، وكأن إدارة ترامب تريد التخلص من التزاماتها إزاء الفصائل العسكرية جنوباً وشرقاً، وأكراداً وعرباً”.
يبدو أنه عند الحديث عن سوريا ميدانياً وسياسياً، لا يمكننا الفصل بين اللاعبين الروسي والأمريكي، بالرغم من الخلافات الموجودة بينهما كبلدين، وإلا فما الذي يفسر مشاركة روسيا في معارك الجنوب في الوقت الذي كانت تعقد فيه الاجتماعات مع الأطراف الدولية لمنع هذا العمل العسكري؟ وكيف يمكننا تفسير صدفة تزامن الرسالة الأمريكية لفصائل المعارضة مع معركة الجنوب؟ وما الذي يدفع عدد من فصائل الجنوب وبعد ساعات من القرار الأمريكي إلى إعلان استسلامهم وقبولهم بالتسوية مع الحكومة السورية؟