تصدّر تطور العلاقات السورية – السعودية في الآونة الأخيرة المشهد السياسي، لما لها من تأثيرات عدّة في المنطقة والإقليم، ولا سيما بعد اللقاء الذي جمع الرئيس بشار الأسد مع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، ووصفته مصادر سوريّة بأنه كان أكثر من المتوقع، في وقتٍ تستمر فيه الأوساط الإعلامية بالحديث عن الإشارات التي وصلت إلى واشنطن في سياق هذه التطورات.
وعُقب حضور الرئيس الأسد في جدّة للمرة الأولى منذ 2010، أشارت مجلة “فورين أفيرز” الأمريكية إلى أنّ الرئيس الأسد “بدا مرتاحاً ومنتصراً خلال زيارته، وصافح مبتسماً أهم الزعماء العرب، وشجب في خطابه الهيمنة الغربية ودعا لحماية الهوية العربية”.
وفي السياق نفسه، نشرت وكالة “رويترز” تحليلاً أشارت فيه إلى أنّ “ولي العهد السعودي محمد بن سلمان الذي كان منبوذاً على الساحة الدولية في وقت من الأوقات، احتل موقع الصدارة الأسبوع الماضي عندما أعادت الدول العربية مقعد سوريا في الجامعة العربية، باعثاً بذلك رسالة لواشنطن بشأن من هو الآمر الناهي في المنطقة، متجاهلاً ارتياع واشنطن في ذلك”.
وأشارت غلى أن “استقباله الحار للرئيس بشار الأسد في القمة العربية بالقبلات والاحتضان الدافئ بثقةٍ واضحة شكّل تحدياً لاستياء الولايات المتحدة من عودة سوريا للجمع العربي وجاء تتويجاً لتحول حظوظ الأمير بفضل الحقائق الجيوسياسية المتغيرة”.
ولفتت إلى أن “محمد بن سلمان يسعى إلى ترسيخ مكانة المملكة كقوة إقليمية باستغلال موقعه في قيادة عملاق للطاقة في عالم لا يزال يعتمد على النفط ومنشغل بالحرب في أوكرانيا، بعدما كان منبوذاً على الساحة الدولية من دول غربية عُقب مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي في 2018، إذ عاد الآن كلاعب أساسي لا يمكن لواشنطن أن تتجاهله أو تنأى بنفسها عنه لكن عليها أن تتعامل معه على أسس نفعية”.
ويقول عبد العزيز صقر رئيس “مركز الخليج للأبحاث عن القمة العربية”، إنّ “هذه رسالة قوية لأمريكا مفادها أننا نعيد تشكيل ونعيد رسم علاقاتنا دونك”.
وتابع قائلاً : إنّه “لا يحصل على ما يريد من الجانب الآخر”، مشيراً إلى أن “وفاق السعودية مع خصوم بالمنطقة قائم على نهج الرياض المتعلق بالأمن الإقليمي”.
وفي مقابل ذلك، يبرز سؤال في الأوساط السياسيّة عن العلاقات السورية- السعودية، بشأن المدى الذي يمكن للرياض فيه أن تتخذ قراراً بمعزل عن الإرادة الأمريكية في ذلك، ولا سيما أنّ وكالة “بلومبرغ” الأمريكية ذكرت ، أنّ “قرار عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية يصوّر تراجع نفوذ الولايات المتحدة الأميركية”.
ورأى الكاتب والباحث السياسي د. أسامة دنورة في حديث سابق لـ “أثر“، في هذا الصدد، أنّ “التأثيرات بين الدول والقوى الكبرى موجودة وهذا يفرض نفسه على السياسة، غير أنها تتعرض للصعود والهبوط، وأنّ ضعف الانخراط الأمريكي في المنطقة أدّى إلى ضعف في النفوذ، إذ إنّ انسحاب واشنطن جزئياً من ملفات المنطقة ترك مجالاً لإنتاج سياسات ذات أولويات مختلفة، وأكثر استقلالية وارتباطاً بالمصلحة المباشرة لدول المنطقة”.
وتابع: “أي أن تكون المصلحة الوطنية هي الأولى والمصلحة العربية في الدرجة الثانية، وأن تكون مصلحة القوى الكبرى في الدرجة الثالثة، هذا يكون ترتيب منطقي لأولويات السياسيات الخارجية، وهذا لا يعني نهاية التأثير الأمريكي في المنطقة”.
يشير محللون إلى أن مشهد تفلّت بعض الأنظمة الرسمية العربية من القبضة الأمريكية ومحاولتها تنويع اتجاهاتها السياسية الدولية وخلق هامش لسياساتها البينية في بيئتها الإقليمية وان كان ذلك يبدو محدوداً، يدل على أنه الخطوات الأولى لتلمس عالمٍ جديد، على حين ستكون سوريا أهم معيارلقياس مستقبل المنطقة.
أثر برس