على الرغم من تدهور العلاقات التركية – الأمريكية والتوجه التركي إلى القطب الروسي والاتفاق معه على معظم القضايا في المنطقة، يبدو أن مدينة إدلب السورية بدأت ترسم بذور خلاف بين الجانبين الحليفين.
فبالتوازي مع التصريحات الروسية الشبه يومية والتي باتت تؤكد القرار ببدء معركة إدلب، تظهر التصريحات التركية التي تؤكد رفضها الكامل لها، ولم تقتصر تلك التصريحات على الرفض والتنديد، بل وصلت إلى حد كتابة آردوغان مقال في صحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية، يحرض فيه الغرب على إيقاف تلك العملية.
ولم تقتصر تلك التطورات على التصريحات السياسية فحسب وإنما وصلت إلى حدود التحرك العسكري، حيث أفادت جريدة “يني شفق” التركية أن تركيا تعزز حالياً قواتها في المنطقة بكثافة وسط استعدادات متسارعة تحسباً لعملية عسكرية في إدلب.
وأوضحت الجريدة التركية أن القوات التركية قامت بـ”مضاعفة عدد الدبابات والمدرعات الموجودة عند الحدود السورية خلال الأسبوعين الماضيين، كما عززت المواقع الاستراتيجية بقاذفات الصواريخ وبطاريات المدفعية”.
تلك التطورات السياسية والعسكرية التي تتخالف مع الحليف الأهم لتركيا في هذه الفترة والمتمثل بروسيا، تعكس مدى إصرار تركيا على منع العملية العسكرية التي ستنهي آخر معاقل “جبهة النصرة” في سوريا، فلماذا تحارب تركيا لمنع تلك العملية؟
الإصرار التركي على منع تلك العملية بالتأكيد ليس كما تروج له تركيا إعلامياً بأنه لحماية المدنيين، والمواضيع الإنسانية التي باتت مبتذلة والتي لم تطبق منها تركيا أي شيء خلال حملتها العسكرية قبل أشهر على مدينة عفرين التي أدت إلى سقوط مئات الضحايا من المدنيين بسبب القصف التركي العشوائي، فهناك عدة أسباب تجبر تركيا على محاولة منع تلك العملية أهمها:
أولاً: تشكل محافظة إدلب عائق عسكري وسياسي أمام القوات السورية للقيام بعمليات عسكرية تخرج تركيا من مناطق نفوذها “الحقيقية” في شمال حلب أي مناطق عمليات “درع الفرات” و”غصن الزيتون” في الباب وعفرين بسبب الموقع الجغرافي لانتشار تلك الفصائل، فاستعادة القوات السورية سيطرتها على المحافظة ستسهل إطار العمليات العسكرية في مناطق النفوذ التركي في الشمال السوري عسكرياً، كون معظم أوراق الضغط التي قد تستخدمها تركيا بمهاجمة حلب أو حماة تكون قد أنتُزعت منها.
ثانياً: استعادة القوات السورية للسيطرة على محافظة إدلب عسكرياً، ستدفع مسلحي “جبهة النصرة” التابعة لتنظيم “القاعدة” وغيرها من التنظيمات الجهادية المصنفة على قائمة الإرهاب العالمي، للتوجه إلى مناطق شمال حلب (النفوذ التركي) ما من شأنه شرعنة القيام بعملية عسكرية على تلك المنطقة أيضاً، فلا مكان لتلك التنظيمات سوى شمال حلب، ما يعني إنهاء المشروع العثماني في سوريا.
ثالثاً: سيطرة القوات السورية على المحافظة ستؤدي إلى خسارة الثقة بين تركيا وفصائل المعارضة، حيث حاولت تركيا بناء تلك الثقة خلال سنوات الأزمة وبات أردوغان “الأب المنقذ” لبعض الفصائل في الشمال السوري، فالبدء بتلك العملية سينهي البيئة التي تساعد تركيا على توطيد نفوذها وتوسعها في الشمال السوري وسيخسرها آلاف المقاتلين الذين تضعهم لمواجه الأكراد وتبعد جنودها عن تلك المعارك.
وعليه يبدو أن تركيا تحاول مسك العصى من المنتصف والإبقاء على علاقاتها الوثيقة مع روسيا بالتوازي مع الحفاظ على محافظة إدلب بيد “جبهة النصرة” وفصائل المعارضة السورية، إلا أن الموقف الروسي بات واضحاً بشأن المعركة خصوصاً بعد المناورات العسكرية التي تقوم بها اليوم روسيا في سيبيريا بمشاركة أكثر من300 ألف جندي والتي تأتي بالتزامن مع التوتر الحاصل مع أوروبا بشأن تلك العملية.
فهل ستدخل تركيا نفسها بأزمة مع روسيا في ظل أزمتها مع أمريكا من أجل تلك المعركة، أم أنها ستقبل بالواقع وتتخلى عن مشروعها العثماني في شمال سوريا؟