أظهرت جماهير نادي سلتيك الإسكتلندي تضامناً كبيراً مع فلسطين وشعبها في مباراة فريقها الأخيرة مع أتلتيكو مدريد الإسباني ضمن بطولة دوري أبطال أوروبا والتي جرت أمس الأربعاء.
وغطى اللون الأخضر وعلم فلسطين أجواء المباراة وظهر واضحاً أن جمهور الفريق الإسكتلندي لم يكن يهتم بالمباراة التي انتهت بالتعادل بهدفين بقدر اهتمامه بإيصال رسالته للعالم بأجمعه عن معاناة الشعب الفلسطيني وما يُرتكب بحقه من مجازر.
لماذا يعمد جمهور فريق سلتيك لرفع الأعلام الفلسطينية وترديد شعارات وأهازيج تدعم الشعب الفلسطيني وقضيته؟ على الرغم من بُعد البلدين عن بعضهما واختلافهما في كثير من الأمور.
لماذا هذا التضامن؟
الموضوع لا يعود لسبب أن العلم الفلسطيني يضم اللون الأخضر في إشارة للتشابه بينه وبين شعار النادي الإسكتلندي، كما يحاول أن يشيع للتقليل من أهمية القضية وإبعادها عن أهدافها النبيلة وطمس الحقيقة التاريخية لها.
تعود القصة إلى القرن التاسع عشر وتحديداً الفترة بين عامي (1845 – 1849) عندما خلّفت مجاعة كبيرة ضربت إيرلندا نحو مليون قتيل وتركت ملايين المشردين هائمين على وجوههم بعد موت أراضيهم الزراعية ونزع ملكيتها منهم من قبل بريطانيا، فلجؤوا إلى مدينة غلاسكو الإسكتلندية باحثين عن لقمة طعام يسكتون بها بطونهم الجائعة ومأوى يقيهم الفقر والحرب.
غير أن حاكم غلاسكو آنذاك لم يصبر على هؤلاء المشردين، وكان يرى أنهم أدنى من مواطني غلاسكو من النواحي العرقية والثقافية وحتى الدينية (الحاكم وشعبه بروتستانت والمشردون كاثوليك) فلاحقهم وقام بتعذيبهم وإذلالهم.
وبعد تدهور أمور هؤلاء المشردين لسنوات طويلة، أنشأ رجل دين كاثوليكي يدعى ويلفورد نادي سلتيك عام 1888 في محاولة لتأمين مصدر دخل لإطعام المهاجرين الإيرلنديين في غلاسكو وانتشالهم من الفقر، ليتحول هذا النادي إلى منارة أمل وداعم للمحرومين في العالم.
After Celtic FC told fans not to bring out any flags, they brought out Palestine flags anyway.
Free Palestine!
— Censored Men (@CensoredMen) October 25, 2023
سلتيك يدعم كل المظلومين:
ولا يتضامن سلتيك مع الفلسطينيين فقط، بل مع أي شعب مضطهد ويقف مع جميع مطالب الشعوب المحقة، فمثلاً أبدى دعمه لشعب جنوب أفريقيا ضد التطهير العرقي، ومع شعب الباسك المطالب باستقلاله عن إسبانيا، ومؤخراً مع إقليم كتالونيا الذي أعلن انفصاله عن إسبانيا، ووصل التضامن إلى حد رفع جزء من مشجعي سلتيك لافتات في إحدى المباريات ترحب باللاجئين الذين شردتهم الحروب، وكتبوا عليها “أهلا باللاجئين.. النادي أسسه المهاجرون”.
ويكفي الإشارة إلى أن الأغنية التي تنشدها جماهير سلتيك (كتبت عام 1970) عن قصة عائلة نزعت منها أراضيها وتركت للجوع بسبب المجاعة الإيرلندية العظمى، ثم أُلقي القبض على رب العائلة؛ لأنه سرق الطعام ليطعم عائلته من الشخص الذي نزع أرضه منه، وتركت زوجته لإعالة نفسها وطفلها.
السلتيون أعداء للسامية:
في حين ننظر لجماهير سلتيك على أنهم مناصرون للمضطهدين في شتى أنحاء العالم وداعمين لهم، يظهرون في أعين بني جلدتهم أعداءً للسامية دائماً.
في عام 2014 بينما كان الكيان المحتل يقوم بعمليته الإرهابية تجاه قطاع غزة “الجرف الصامد”، قامت جماهير سلتيك بالهتاف في مباراة لفريقها لفلسطين ورفع العلم الفلسطيني ليوقع الاتحاد الأوروبي لكرة القدم UEFA غرامة على الفريق قدرها 18 ألف جنيه إسترليني لخلطه “السياسة بالرياضة”! ورفع علم استفزازي من زمن الحرب.
لكن ذلك الأمر كان مجرد بداية، ففي العام 2016 حين تواجه فريقا سلتيك و “هبوئيل بئر سبع” من الكيان المحتل في مسابقات دوري الأبطال، جعلت جماهير سلتيك من المباراة عبارة عن تظاهرة كبيرة لنصرة القضية الفلسطينية.
وغُرم النادي غرامة قدرها عشرة آلاف يورو لاعتبار الاتحاد مرة أخرى أن علم فلسطين هو لافتة غير مشروعة ترمز إلى معاداة السامية.
وفي مقابل هذا، قامت جماهير سلتيك بتدشين هاشتاغ تحت عنوان “لندفع الغرامة لفلسطين” لجمع أموال توازي قدر الغرامة وأضعافها، وهو ما حدث بالفعل إذ جمع أنصار سلتيك ما يقارب 500 ألف جنيه إسترليني من أجل دفع الغرامات التي ستوقع في كل مرة يُرفع فيها علم فلسطين، وقد ذهب جزء من تلك الغرامات دعماً إلى جمعيات الإغاثة في غزة والضفة الغربية.
وفي العام 2017، حين أعلن الرئيس “دونالد ترامب” القدس عاصمة للكيان المحتل، ردت جماهير سلتيك برفع لافتات تنتصر لحقيقة أن القدس دوماً وأبداً هي عاصمة فلسطين.
وبسبب تلك المواقف وغيرها، يتعرض جماهير سلتيك في أسفارهم وراء فريقهم في مختلف ربوع أوروبا إلى هجوم من جماهير اليمين المتطرف، بل من خصمهم التقليدي “غلاسغو رينجرز” الذي يتخذ مباراته كمظاهرة سياسية أيضاً لرفع علم الكيان الصهيوني والوقوف حداداً على أرواح قتلاه، ولا يعتبر الاتحاد الإسكتلندي أو الأوروبي تلك الأعلام كشيء يستوجب الغرامة؛ ولكن كل ذلك النفاق لا يمنع جماهير “سلتيك” من أن يكونوا موجودين دائماً حين تناديهم فلسطين.
إذاً يجسد موقف النادي الإسكتلندي السلتيك معاناة كل المضطهدين في العالم وهو لا ينتظر مناسبة حتى يقوم بما قام به في مباراة أتلتيكو بل نشاهده في أي مباراة أخرى يرفع شعارات ويردد هتافات داعمة وخاصة للقضية الفلسطينة التي غابت عن بعض الدول العربية والمؤسسات الرياضية العربية والقنوات الإعلامية التابعة لها، والتي لم تتجرأ حتى على التنديد كتابة أو قولاً بالجرائم الصهيونية المرتكبة بحق الشعب الفلسطيني فكان خير ناصر ومعين واستحق تقدير واحترام الشعوب في مختلف أنحاء العالم.
محسن عمران || أثر سبورت