ترافقت العودة السورية إلى الجامعة العربية، مع انفتاح عربي في مجالات عدة على العلاقات مع سوريا، وتراجع الدول الرافضة لعودة دمشق عن موقفها المتشدد، معلنة أنها لن تعارض الإجماع العربي.
وحضور الرئيس بشار الأسد، في قمة الجامعة العربية بمدينة جدة السعودية، كانت لحظة مفصلية ومؤشّر إلى أن التحركات العربية تتجه نحو التطبيق وليس خطابية فقط، ونشرت حينها صحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية تقريراً أكدت خلاله أن “حضور الرئيس الأسد قمة جدة يسلط الضوء على الفجوة الهائلة بين واشنطن وبعض أقرب شركائها في الشرق الأوسط بشأن سوريا” ونقلت عن مسؤول أمريكي لم تكشف عن اسمه قوله: “هناك دول بينهم شركاء لنا قيّموا الموقف وقرروا اتخاذ نهج مختلف”.
التحركات العربية الأخيرة إزاء سوريا لا سيما الخليجية منها والسعودية بالتحديد، أثارت إشارات الاستفهام حول الموقف الأمريكي من هذه التحركات، خصوصاً بعدما أعلنت الخارجية الأمريكية أنها لن تعارض التطبيع العربي مع سوريا لكن موقفها من دمشق لا يزال ثابتاً، وسط تأكيدات من دبلوماسيين أمريكيين أنه قد يطرأ بعض التغييرات على سياسة بلادهم إزاء سوريا.
في هذا الصدد، أفادت صحيفة “الأخبار” اللبنانية بأن السفيرة السعودية في واشنطن، ريما بنت بندر بن سلطان آل سعود، جالت على أعضاء بارزين في مجلسَي النواب والشيوخ الأمريكيين، لتحضيرهم للقرار العربي المُزمع اتّخاذه والمتعلق بوقف تجميد عضوية سوريا في الجامعة العربية، ووفق الصحيفة فإنه “بدا للسفيرة السعودية، خلال جولتها، أن أعضاء الكونغرس كانوا منقسمين في مواقفهم من القرار العربي، ومن مجمل إعادة العلاقات العربية مع سوريا، كما لم يكن الانقسام بينهم تقليدياً، أي بين جمهوريين وديموقراطيين، بل بحسب رأي كلّ واحد أو مجموعة”.
ونقلت “الأخبار” عن مصادر دبلوماسية عربية إن “بعض أعضاء الكونغرس البارزين أكدوا للسفيرة السعودية، أنه وإن أبدى البيت الأبيض ارتياحه لعودة سوريا إلى الجامعة العربية، إلا أنهم في الكونغرس يمتلكون الثقل الأكبر في المواقف من المتغيّرات الدولية، ومن القرارات تجاهها” وأضافت الصحيفة أنه وفي ختام جولتها، أبلغت السفيرة السعودية ما بدا لها للقيادة السعودية في الرياض، مؤكدة أن موقف الإدارة الأمريكية واضحٌ ومتفهِّمٌ لقرار الدول العربية، وأشارت إلى أنه من الضروري مواصلة العمل على التواصل مع أعضاء ومفاتيح في الكونغرس، لإقناعهم بقرار العرب، ولمنع موجة من العقوبات الأمريكية على الجامعة العربية”.
وأضافت الصحيفة أنه “بعد انعقاد القمّة العربية في جدة، بتاريخ 19 أيار الفائت، والجو الاحتفالي الذي شهده حضور الرئيس الأسد، بدا للدول العربية أن قرارها لن يكون تمريره يسيراً لدى الأمريكيين، وبناء عليه اتفقت وزارات خارجية هذه الدول، على تشكيل ما يشبه مجموعة ضغط (لوبي) عربية في واشنطن، لتدشين حملة لإقناع الأمريكيين بجدوى التوجّه العربي، والحول دون ردود فعل مبالغ فيها من قبل الأمريكيين”.
وتابعت “الأخبار” أنه “بحضور سفراء وسفيرات عدد من الدول العربية في واشنطن، وعلى رأسهم السفيرتان السعودية والكويتية، والسفيران العُماني والأردني، انعقد اجتماع للاتفاق على لغة ونبرة موحّدة في الحديث مع الأمريكيين”، ونقلت عن مصادرها الدبلوماسية أنه تم مناقشة محدّدات خطّة عمل، بحيث تعمل ديبلوماسية كلّ دولة عربية على حدة، ولكن ضمن خطة واحدة، على التواصل مع أعضاء بارزين في الكونغرس لإقناعهم بالقرار العربي وجدواه، واستعرض المجتمعون أدوات إقناع الأمريكيين، وخلصوا إلى أن استعراض المخاطر التي تشكّلها الأزمة المتفاقمة في سوريا، على الأمن القومي للدول العربية، وخصوصاً في قضايا المنظّمات الإرهابية، إضافة إلى ملف اللاجئين السوريين المنتشرين في عدة دول عربية، والتأثير الكبير لذلك على اقتصاديات وأمن هذه الدول، يمكن أن يسهم في دفع الأمريكيين إلى تفهّم موقف العرب، أو عدم معارضته بشدّة على الأقلّ”.
ويبدو ممّا رشح عن الاجتماع، بحسب المصادر، أن “كلّ المجتمعين، عبّروا عن قناعة حكومات بلادهم، بضرورة تجاوز الموقف الأمريكي، وعدم الرجوع أي خطوة إلى الوراء، في موازاة بذل كل الجهود الممكنة مع الأمريكيين” وبحسب مصادر “الأخبار” فإن العرب يؤكدون أنه لا يوجد خطط بديلة للولايات المتحدة الأمريكية عن التقارب مع سوريا، إضافةً إلى فشل السياسة الأمريكية التي كانت مُتّبعةً اتجاه سوريا، خلال السنوات العشر الفائتة.
كما أشار بعضهم، بحسب المصادر، إلى “ضرورة استغلال كل دولة عربية علاقاتها الجيدة مع الأمريكيين، لدعم الموقف العربي العام”، إضافة إلى “التذكير بالمصالح الأمريكية في العالم العربي، واعتبار ذلك أوراق قوّة بيد العرب” وفي المقابل، أشار المجتمعون إلى أنهم سيطمئنون الأمريكيين عبر التأكيد “على بنود خطة خطوة مقابل خطوة المتَّبعة عربياً يمكن أن تنتزع من سوريا خطوات لطالما كانت مطلباً لدى الأمريكيين، وعليه فإن منح واشنطن، العربَ، مهلة سنة واحدة على الأقل، للمس النتائج، سيكون إنجازاً” وفقاً لما نقلته الصحيفة.
وفي السياق ذاته، نقلت صحيفة “البيان” الإماراتية عن مصادر مطلعة قولها: “المجموعة العربية تعمل على إقناع الاتحاد الأوروبي بالانفتاح على دمشق، إلا أن الأمر يحتاج إلى انتهاج سياسة “خطوة خطوة” وفق ما تم الاتفاق عليه في قمة جدة”.
يشار إلى أن عدد من الدبلوماسيين والمحللين الأمريكيين يؤكدون أن السياسة التي تنتهجها واشنطن إزاء سوريا لم تُثمر، لافتين إلى أن توجه الدول العربية نحو الانفتاح على دمشق أمر طبيعي وذلك بهدف حماية مصالحهم.