خاص || أثر برس الوجود الأمريكي على الحدود السورية – العراقية، في منطقة التنف لم يعد يحقق لواشنطن الأهداف الاستراتيجية المعلنة من إنشاء قاعدتيها غير الشرعيتين في منطقتي “التنف – الزكف”، وخلال عملية الانسحاب العسكري للولايات المتحدة من الداخل السوري، كان من المنطقي أن تتجه واشنطن لإخلاء هذه القاعدة إلا أنها لم تحرك ساكنا للآن.
في بداية إنشاء القاعدتين، قالت واشنطن إن وجودها في البادية هو بهدف محاربة تنظيم “داعش”، ثم تحولت لاحقاً للقول بأنها تتواجد في التنف لمحاربة الوجود الإيراني في سورية، وكان المقصود تماماً هو قطع الطريق الأقصر بين العاصمتين السورية والعراقية، والهدف هنا كان تحقيق غاية “إسرائيلية” بمنع وصل الاراضي الإيرانية بنظيرتها السورية بطرق برّية بزعم مخاوف تل أبيب من نقل السلاح الإيراني نحو مستودعات حزب الله في لبنان.
في تاريخ الطريق البرّي بين إيران وسورية، كانت الطرق مقطوعة طيلة فترة حكم الرئيس العراقي الأسبق “صدام حسين”، بفعل أن الحدود الشرقية والغربية لبلاده كانت مغلقة لأسباب تتعلق بسياساته تجاه إيران وسورية، وبعيد دخول الاحتلال الأمريكي إلى العراق في العام ٢٠٠٣، تحولت مناطق غرب العراق إلى مناطق انتشار لتنظيم “القاعدة” في العراق بقيادة “أبو مصعب الزرقاوي”، حتى مقتله وتسلم “أبو بكر البغدادي” التنظيم من بعده، ليصبح الشرق السوري واحدة من مناطق انتشار تنظيمه بعد تحول اسمه لـ “دولة الإسلام في العراق والشام”، والذي يختصر بـ”داعش”، وبعد انتهاء وجود التنظيم الجغرافي بالصورة الكبرى وتحوله نحو التخفي ضمن جيوب تقع ضمن المنطقة المحيطة بـ” التنف”، والمعروفة باسم “منطقة الـ ٥٥ كم”، كان من الطبيعي أن تعمل واشنطن والفصائل الموالية لها كـ” جيش مغاوير الثورة – جيش أحرار العشائر”، على محاربة وجود “داعش”، إلا أن الأمر لم يحدث.
إن افتتاح معبر “البوكمال” الحدودي أسقط مشروع قطع الطرق البرية بين سورية والعراق، وقياساً على ذلك فإن واشنطن لم تمتلك سبب معلن سوى الذريعة بحماية “مخيم الركبان”، وهو مخيم يُمنع قاطنيه بقوة سلاح” فصائل واشنطن”، من العودة إلى مناطقهم الأصلية التي نزحوا منها خلال وجود “داعش” فيها، وتعرقل واشنطن جهوداً للدولة السورية وروسيا والأمم المتحدة لتفكيك المخيم العشوائي المقام في منطقة صحراوية خالية من أي مصدر للمياه العذبة والمواد الأساسية.
إن تغطية هجمات “داعش” على نقاط الجيش السوري من قبل الأمريكيين بالتشويش على الاتصالات، مع منع أي تحرك ميداني ضد التنظيم في منطقة الـ ٥٥ كم، مع سقوط الذرائع السابقة لواشنطن، يؤكد أن الأخيرة حولت منطقة التصعيد المحيطة بقاعدتها غير الشرعية لمكان آمن لإعادة إنتاج تنظيم “داعش”، من خلال الحفاظ على قياداته وخلاياه النشطة في هذه المنطقة، لتصبح استراتيجية واشنطن في البادية السورية محصورة بهذه الفكرة فقط.
الوجود الأمريكي على الحدود السورية – العراقية، في منطقة التنف لم يعد يحقق لواشنطن الأهداف الاستراتيجية المعلنة من إنشاء قاعدتيها غير الشرعيتين