يصادف يوم 13 كانون الثاني حسب التقويم الغربي معلماً اجتماعياً وفلكياً هاماً تحتفل به قرى الساحل السوري يسمى بالقوزلة، وهي رأس السنة الشرقية.
والقوزلة تسمية آشورية من كلمة قوزلو وتعني قزل النار أو إشعال النار، حيث كانت توقد النار طلباً للدفء وللطبخ، وتوقد على رؤوس الجبال وأمام المنازل ابتهاجاً وإعلانا لهذه المناسبة.
يعود سبب الاحتفال بالقوزلة في يوم 13 كانون الثاني إلى وجود فارق بين التقويمين الشرقي والغربي سببه الإصلاح الذي قام به البابا غريغورس الثالث عشر الروماني على التقويم اليولياني في عهد يوليوس قيصر، حيث يعد التقويم اليولياني السنة 365,25 يوماً، أما التقويم الغريغوري فهو أدق ويعد السنة 365,2425 يوماً، وهذا الفرق يشكل مقدار 0.002%.
وحسابياً تشكل في الفترة الواقعة من عام 1900 وحتى عام 2099 فارقاً بين التقويمين الغريغوري واليولياني بلغ 13 يوماً، يتأخر بها التقويم اليولياني عن التقويم الغريغوري، أي عندما يكون 7 كانون الثاني طبقاً للتقويم الغريغوري (وهو التقويم الميلادي الساري حالياً)، يكون بالنسبة إلى التقويم اليولياني 25 كانون الأول.
في كل الأحوال لا تعد القوزلة عيداً دينياً ولا رسمياً، ولكنه تراث وإرث سوري قديم وأصيل وتقليد جميل مازالت بعض مناطق وأحياء الساحل السوري تحافظ عليه من العهد الآشوري، حيث يجتمع فيه الناس ويقدمون الضيافات الشعبية والأكلات التراثية ومنها خبز التنور أوالقوزلة المبلول بالزيت والفطاير وحب البركة والفليفلة، كما تحضر الكبيبات وأقراص السلق و أقراص العجين المحشوّة لحماً وتسمى “زنكل”، ويقدم التمر وحب الأس وفي بعض القرى كباب جنة وكفردبيل وبسّين ودمسرخو والحارة تقام أعراس شعبية تشبه ما كان يقام فيما يسمى عيد الزهور الاجتماعي الذي تحتفل فيه كل شعوب المنطقة (وهو يسمى في مصر بعيد شم النسيم)، كما أن بعض يقدر عمرهم بسنوات القوزلة، فيقال إن أحدهم عمره يتجاوز (90) قوزلة.
الاحتفال بعيد رأس السنة الشرقية هو اجتماعي مسبوق بسهرة ليلة 13 كانون 2 ، ويبدأ رسمياً في الصباح الباكر مع بداية العام الميلاديّ الجديد على التّقويم الشّرقي حيث يستقبل الريف الساحلي السوري هذه المناسبة بمسحة إنسانيّة رائعة، فقد اعتاد أهل القرى على إعلانه يوماً للتّسامح، و طي الخلافات الشخصية والعائلية، ومساعدة الفقراء بالعطايا المادية، وتبادل الزيارات صباح العيد.
لابد من التذكير أن الكثير من الحسابات الزراعية والفترات المعروفة ببرودتها وأمطارها كانت تقوم على التقويم الشرقي كأربعينة الشتاء والصيف وكذلك الخمسينية والسعودات والآبيات وأيام الحسوم وسقوط الجمرات ومواعيد الريات التكميلية والأمطار مثل مطرة الرابع من نيسان على الشرقي، عدا عما قيل من مئات الأمثال الشعبية عن الطقس في كل شهر، وكانت في معظمها دقيقة وتم تفسيرها علميا وتأكيد صحتها.
د. رياض قره فلاح
أستاذ علم المناخ قسم الجغرافية – جامعة تشرين