في الوقت الذي شهد فيه الشمال السوري جولات عنيفة من الاشتباكات مؤخراً بين فصيل “الفيّلق الثالث” من جهة و “هيئة تحرير الشام (النصرة سابقاً)” مع الفصائل المتحالفة معها من “الجيش الوطني”، والتي انتهت بانسحاب الهيئة من بعض المناطق التي تقدّمت إليها بعد تدخل أنقرة وما قيل إنه “ضغط أمريكي”، تتناقل أوساط إعلاميّة معارضة عن مدى إمكانية تشكيّل حكومة أو إدارة مدنية موحدة لإدارة مناطق المعارضة في الفترة القادمة، خاصة بعد وجود تسريبات من أنقرة بالدفع بهذا الاتجاه.
حيث تنقسم هذه المناطق في الشمال السوري بين حكومتين: “مؤقتة” تابعة لـ “الائتلاف الوطني”، و”إنقاذ” تابعة لـ “هيئة تحرير الشام”، وترى أوساط معارضة في هذا الصدد أن الحديث عن دمج الحكومتين يبدو صعباً جداً في الوقت الراهن؛ بسبب وجود فرق بنيوي في طبيعة عمل كلٍ منها، إذ إن “الحكومة المؤقتة” هي فعلياً لا تدير الشمال السوري، فالمجالس المحلية المرتبطة بشكل مباشر مع الولاة الأتراك هي من تدير هذه المناطق، وبالتالي هناك مشكلة بنيوية في هذه الحكومة تجعلها غير قادرة على أن تكون نموذجاً قابلاً للتوسع لإدارة كل مناطق المعارضة.
وبالمقابل، إن المناطق التي تسيطر عليها “هيئة تحرير الشام” في إدلب، توجد فيها “حكومة الإنقاذ” بشكل فعلي على الأرض، وتدير بشكل مباشر جميع القطاعات الخدمية، لكنها تعاني مشكلة الارتباط بـ “الهيئة” المصنفة إرهابية أمام المجتمع الدولي، وبالتالي على المستوى السياسي والقانوني هي إدارة غير مقبولة.
وفي السياق نفسه، يشير معهد “الشرق الأوسط للدراسات”، إلى أن “هيئة تحرير الشام” تعتقد من خلال سعيها للتوسع في شمالي حلب، أن “شبه التكنوقراطية” التي تديرها حكومة “الإنقاذ” التابعة لها في إدلب، يمكنها الحفاظ على “مشروع حكم متفوق” على منافسيها في المنطقة (الجيش الوطني والحكومة المؤقتة).
وذكر المعهد أن “تحرير الشام” سعت لإظهار مستوى من “البراغماتية” مقابل منافسيها الأكثر شيوعاً، وخاصةً في إطار التواصل مع الحكومات الأجنبية، وعدم التعارض والتنسيق مع بعثة المساعدة التي تديرها الأمم المتحدة، والسعي لفتح المعابر التجارية في إطار التقارب بين أنقرة ودمشق.
ويوضح المعهد أنه في محاولة لاستبدال نموذج نظام الحسابات القومية في عفرين، تستخدم “الهيئة” حجتها القديمة بأنها تكافح الفساد وتضع حداً للانقسام المُكلف، غير أنه في نظر “الجولاني” كلما زادت سيطرته كان موقعه أكثر أمناً.
وفي الأثناء، نقلت وسائل إعلامية معارضة حديث متزعم “الهيئة” “أبو محمد الجولاني” في معرض تلميحه عن الفرق الإداري بين المناطق التي تديرها “حكومة الإنقاذ” في إدلب ومناطق أخرى، ونظيرتها التي تديرها “الحكومة المؤقتة” قائلاً: “ إن السلطة الواحدة في إدلب هي التي أفسحت المجال لعجلة البناء في المنطقة”.
وعدّ “الجولاني” بأنه “من يشاهد تجربة إدلب أصبح يعي بشكل يقيني أن التوحد تحت سلطة واحدة هو حبل النجاة، والتوحد في إدلب أعطاها كثيراً من المكتسبات بكل مناحي الحياة”.
يُشير مراقبون إلى أن تركيا لا زالت هي صاحبة الكلمة العليا في الشمال السوري، وهي الوحيدة التي يمكنها القيام بأي تغييرات، لكنها تحتاج للتنسيق مع الدول الفاعلة بشكل أساسي، حيث من مصلحتها استقرار الأوضاع في الشمال السوري في الفترة القادمة؛ ليعود من أراضيها المزيد من اللاجئين أو حتى لا يعبر لاجئون جدد باتجاهها ولا سيما مع اقتراب الانتخابات الرئاسة التركيّة.
أثر برس