تتواصل مجريات الأحداث في الشمال السوري وسط حالة من الترقب لدى الأطراف المعنية، وخصوصاً بعد قمة سوتشي التي جمعت الرئيسين بوتين وأردوغان والاتفاق الذي صدر بعد هذه القمة، حيث كان أبرز بنود هذا الاتفاق انسحاب المقاتلين الأكراد بعيداً عن الحدود التركية بعمق 32 كم نحو الجنوب.
معظم الأطراف كان لها مكاسب مباشرة أو غير مباشرة من المجريات الأخيرة في أحداث الشمال السوري، حتى الولايات المتحدة المتمثلة بإدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وإن كانت تلك المجريات أجبرتها على الانسحاب من مساحات واسعة في سورية إلّا أنها في الوقت ذاته ستنعكس بشكل إيجابي على صورة الرئيس الأمريكي في الداخل الأمريكي قبيل انتخاباته المقبلة.
أما على الصعيد التركي تؤكد استطلاعات الرأي بأن أردوغان استعاد جزءاً من شعبيته بعد عدوانه الذي أقحم فيه الفصائل المسلحة الموالية له وحمى جنوده من نيران ذلك العدوان، وهو ما أدى إلى سقوط عدد ضئيل من الجنود الأتراك في حين كان القسم الأكبر من القتلى كان من الفصائل المسلحة الموالية لتركيا.
بالمقابل، مكنت تلك التطورات الجانب الروسي من ترجيح الكفة الروسية مقابل الكفة الأمريكية في سورية إذ أن الانسحاب الأمريكي هو أحد أهم الأهداف الروسية ومكّنها من أن تصبح على صلة أكبر مع كل الأطراف الرئيسية الأخرى، مثل تركيا والأكراد وباقي الأطراف.
في حين يبدو بأن حلفاء ترامب من الأكراد هم الخاسر الأكبر في خضم تلك المجريات التي وصلت إلى ما وصلت إليه بسبب سياسية قياداتهم، فالأكراد خسروا عشرات القرى والبلدات التي احتلتها تركيا ودمرتها الفصائل المسلحة التابعة لها، كما قضى عشرات المدنيين السوريين من أهالي تلك القرى والمناطق ناهيك عن تهجير الآلاف من أرضهم.
وكانت دمشق قدمت العديد من المبادرات ووضعتهم بصورة أن الولايات المتحدة ستتخلى عنهم وهو ما أكده الرئيس السوري بشار الأسد أكثر من مرة كان آخرها أثناء زيارته الأخيرة لبلدة الهبيط بالقرب من خطوط التماس في إدلب.
الملفت والمستغرب في هذه المرحلة هو عودة الأكراد لفتح تنسيق جديد مع الأمريكيين في ظل وعود جديدة شبيهة بـ”استحالة تحقيقها” بالوعود القديمة التي تم تقديمها، حيث كشفت صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية نقلاً عن السيناتور “غراهام” أن “الولايات المتحدة والكرد يمكن أن يعملوا معاً لتحسين حقول النفط السورية في الجزء الشرقي من البلاد حتى يتمكن الكرد من جني إيرادات منها”، وهو ما أكده الرئيس الأمريكي في تغريدة قبل أيام عندما قال: “تم تأمين النفط”.
تعكس تلك التصريحات أن الولايات المتحدة تريد إغراء الأكراد بالنفط السوري بعد فشلها في تحقيق انفصالهم، وذلك بهدف إبقاء موطئ قدم لها في سورية ومنع الدولة السورية من استثمار ثرواتها الباطنية.
يبدو بأن بعض القيادات الكردية لم تكتفى بخسارتها الأخيرة وتريد أن تستمر بالسير خلف الوعود الأمريكية التي باتت مقتنعة بأنها غير مجدية، وتجعلها تخسر الكثير من الأوراق في مفاوضاتها مع الدولة السورية، فالمجريات الأخير تشير إلى أن الدولة السورية تسير بخطى مدروسة مع حلفائها لاستعادة كافة أراضيها، خصوصاً بعد انتشار الجيش السوري في أرياف محافظات حلب الرقة والحسكة، فمتى ستعي القيادات الكردية أن الولايات المتحدة لا تعنيها سوى مصالحها؟