بعد الحرب الأوكرانية، تم الحديث عن معادلات وموازين جديدة في النظام العالمي، وهذه الموازين أثّرت بشكل واضح على السياسات الخارجية للعديد من الدول في العالم وفي الشرق الأوسط، لا سيما دول الخليج التي بات من الواضح أنها بدأت تبتعد عن الهيمنة الأمريكية من خلال عدة إجراءات علنية اتخذتها كامتناع الإمارات والسعودية عن زيادة كميات النفط إلى الولايات المتحدة والدول الغربية، والتقارير التي تفيد بدراسة تقوم بها السعودية لقبول اليوان الصيني مقابل النفط ، الأمر الذي يهدد هيمنة الدولار الأمريكي باعتباره العملة الاحتياطية العالمية الوحيدة، وبالتالي يقوض قوة الولايات المتحدة عالمياً، وتعقيباً على هذه الإجراءات وغيرها قال محلل السياسة الخارجية الأمريكية ستيفن إيه كوك قبل أيام: “صداقات أمريكا في الشرق الأوسط تحتضر وتتجه نحو موت طبيعي”.
وفي محاولة لتفسير هذه التطورات بشكل أعمق، نُشرت العديد من التقارير التحليلية في وسائل الإعلام الأجنبية والعربية:
حيث جاء في موقع مركز “ريسبونسبل ستيتكرافت” الأمريكي للدراسات:
“تتابع دول الشرق الأوسط الإجراءات الأمريكية والأوروبية الحاسمة ضد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ويبدو أن حكام هذه الدول يدركون أنه ينتظرهم مصير مشابه في يوم من الأيام إذا قرر الغرب اتخاذ إجراءات ضد حكمهم، وقد مرت هذه الأنظمة بشعور مشابه خلال الربيع العربي، وبالرغم أن الممالك الخليجية خرجت سالمة من الربيع العربي، لا تزال لديهم مخاوف من انتشار الاحتجاجات الشعبية في جميع أنحاء المنطقة”.
وفي هذا الصدد جاء في صحيفة “العرب” اللندنية:
“يتوقع محللون أن يقود التوتر بين الولايات المتحدة والخليج الذي بدأ منذ فترة وبرز أكثر بعد الحرب الروسية – الأوكرانية، إلى قطيعة”، معتبرة أنه “من غير المعروف ما إذا كانت التحركات الخليجية الأخيرة المتعلقة بأوكرانيا وبالمساعي الإماراتية لإعادة الدولة السورية إلى المحافل العربية والدولية، تشير إلى نقطة فاصلة في العلاقات مع الولايات المتحدة أو محاولة من زعماء الخليج لإظهار قوتهم، في وقت قد تكون فيه الولايات المتحدة في أمس الحاجة إليهم”.
وكذلك نشر “منتدى الخليج الدولي“:
“يتناقض حياد السعودية تجاه الغزو الروسي لأوكرانيا مع ردود أفعالها الصارمة تجاه التدخلات العسكرية الروسية السابقة، ويعكس ذلك تبني السعودية المتزايد لسياسة خارجية متعددة الاتجاهات وتخفيف الخلافات طويلة الأمد بين موسكو والرياض حول النزاعات في الشرق الأوسط”، مشيراً إلى أنه “بالرغم من الضغوط المتزايدة من الولايات المتحدة وأوروبا للوقوف ضد روسيا والمساعدة في خفض أسعار النفط، لم تقرر المملكة زيادة إنتاج النفط بشكل كبير ولم تتماشى مع الإجماع الغربي على عزل روسيا”.
من المؤكد أن العلاقات الخليجية – الأمريكية طرأ عليها متغيرات عديدة، تمثلت بمواقف خليجية واضحة وعلنية إزاء بعد الملفات التي تمثّل فيها واشنطن طرف أساسي فيها كالحرب الأوكرانية والطلب الأمريكي المتعلق بالنفط، وكذلك برزت في تغيرات طرأت على سياساتها الخارجية بالرغم من إعلان الولايات المتحدة الأمريكية أن هذه التغيرات أزعجتها وأثارت قلقها، كالتقارب الخليجي من سوريا، لكن يبدو أن الأمر الذي لا يزال مُبهماً هو حجم تلك المتغيرات على العلاقات الخليجية – الأمريكية، وإلى أي حد يمكن أن تصل، حيث أشار المحلل جيمس دروسي سابقاً في مقال له بصحيفة “فورين بوليسي” الأمريكية إلى أن “نعي الشراكات الأميركية – الخليجية أمر سابق للأوان، على الرغم من بوادر انهيارها”، وكذلك يشير بعض المحللين إلى أن دول الخليج لا يزال لديها ما يدفعها للحفاظ على علاقتها مع الولايات المتحدة، لكنها في المحصلة أنها أخذت قراراً بخلق حالة من التوازن بين هذه العلاقة وعلاقتها مع باقي الدول، والحفاظ على مساحة من الاستقلالية بصناعة تحالفاتها الخارجية، بعيداً عن الهيمنة الأمريكية.