تسويات سياسية هشة، ومعارك عسكرية طاحنة، هذا هو حال غوطة دمشق الشرقية طوال ستة سنوات مضت، عانى منها المدنيون ما عانوه وقضى منهم المئات نتيجة ارتباط القوى الداخلية من المعارضة بجهات خارجية متحاربة، ما انعكس بحرب داخلية بين فصائل معارضة لا علاقة لهم بالخلاف الخارجي هذا من جهة.
ومن جهةٍ أخرى تلعب طبيعة توزع القرى وتداخل البلدات في الغوطة الشرقية والمعارك التي حصلت نتيجة الخلافات بين الفصائل الرئيسية دوراً في زيادة أعداد الضحايا، وما زاد من قساوة المشهد هو منع المدنيين من الخروج إلى مناطق بعيدة نسبياً عن المعارك.
فبعد مقتل القائد العسكري لـ “جيش الإسلام” المدعوم سعودياً في سوريا في أواخر عام 2015 بدأت قوى خارجية أخرى تبحت عن دور أكبر لها في محيط العاصمة دمشق لتزيد رصيد أوراقها الإقليمية في أي مفاضات، فبدأت قطر بزيادة دعمها شيئاً فشيئاً لـ “فيلق الرحمن” دافعةً إياه للدخول في معركة موسعة ضد “جيش الإسلام” بالتعاون مع ألد أعدائه “جبهة النصرة”، ما أودى بحياة مئات المدنيين ومنع أهالي الغوطة من النزوح من منطقة إلى أخرى في حالة أشبه بأسر كل فصيل للمدنيين القاطنيين في مناطق سيطرته ما أدى إلى ارتفاع أعداد الضحايا.
حيث يقول ناشط معارض من داخل الغوطة: “إنه وخلال المعارك الدائرة في تلك المرحلة كان فيلق الرحمن يمنع المدنيين القاطنيين ضمن مناطقة سيطرته من الذهاب إلى مدينة دوما التي كانت تعتبر أكثر أماناً في تلك المرحلة، لاستثمار حالة القصف التي كان يقوم بها جيش الإسلام على مناطق سيطرة فيلق الرحمن وإظهار الأول على أنه غير إنساني ويقوم بقتل المدنيين لإيجاد مبرر لعمليته التي شنها”، في صورة تجسد حالة المعاناة التي يعيشها المدنيون من الواقع الداخلي للغوطة بالاإضافة إلى عمليات النهب التي تقوم بها الفصائل بشكل مستمر لمستودعات المواد الغذائية والإغاثية التي تدخل كل فترة عبر اتفاقات رسمية بين الهيئات الاغاثية والحكومة السورية إلى الغوطة الشرقية.
أما الآن وخلال الحملة الأخيرة التي تقوم بها القوات السورية في الغوطة الشرقية، والتي جائت بعد قرار القوات السورية بحسم ملف الفوطة نتيجة الاستفزازات المتكررة من قبل فصائل معارضة وعلى رأسها “جيش الاسلام وفيلق الرحمن وجبهة النصرة”، من رمايات يومية بالقذائف التي تستهدف الأحياء المأهولة في العاصمة دمشق الأمر الذي أودى بحياة العديد من المدنيين، بالإضافة إلى شن هجمات عسكرية بعربات مفخخة على نقاط القوات السورية في منطقة إدارة المركبات في حرستا، بعد هدوء دام لأشهر في داخل الغوطة، يعود المدنيين ليكونوا الشماعة التي يعلق عليها فصائل الداخل ما يجري في الغوطة.
حيث يتحدث نشطاء محليون بأن فصائل المعارضة بالداخل لم تنظر إلى ردة فعل القوات السورية بعد الهجمات التي شنتها مؤخراً في ظل الهدوء التي كانت تعيشه الغوطة، مشيرين إلى أن القوات السورية ستحاول بعد تلك الهجمات قطع طرق إمداد مقاتلي المعارضة المنتشرة ضمن المناطق التي يقطنها مدنيون، قائلين: “لم ينظر قادة تلك الفصائل إلى ما سيؤول إليه حال المدنيين فهم لا يرون إلا التوجيهات التي تأتيهم من الخارج”.
يعود مشهد حجز المدنيين الذي ظهر في أواخر عام 2015 للظهور من جديد في هذه الأيام لكن بصورة أوسع، حيث يهدف قادة بعض الفصائل لاعتماد هذه الورقة عن طريق مجلس الأمن والأمم المتحدة لإيقاف العمليات العسكرية عن طريق بث فيديوهات ووضع إحصائيات تظهر سقوط أكبر عدد من المدنيين، لذلك لا يمكنهم السماح للمدنيين بالخروج من مناطقهم، لأنهم الورقة الأربح في إيقاف أي عملية للقوات السورية باتجاه الغوطة، بالمقابل حال المدنيين في العاصمة دمشق ليس بالأفضل حيث يتم يومياً استهداف المرافق العامة وأماكن التجمعات بعشرات القذائف ليبقى المدنيون هم الخاسر الأول في هذه الحرب.