خاص|| أثر برس أكّد مصدر دبلوماسي كان ضمن البعثة الدبلوماسية السابقة في المملكة المغربية، عن محاولات مغربية جرت مسبقاً لفتح قنوات تواصل بوساطة سلطنة عمان، لبحث مسألة تأكيد سوريا لوحدة التراب المغربية (البوليساريوا)، فيما يشير خبراء مغربيون إلى أن الرباط حددت قضية الصحراء المغربية منظاراً وأساساً متيناً ووحدة القياس السياسية لبناء أي علاقات خارجية قائمة على البناء المشترك الإيجابي.
مطلب المغرب من سوريا صعب:
تعليقاً على طبيعة الخلافات السورية- المغربية أو حالة عدم التوافق -كما تسمى في حقل العلوم السياسية- بيّن مصدر دبلوماسي سابق (فضل عدم الكشف عن اسمه) في حديث خاص لـ”أثر”، أنّ ذلك ناتج عن السياسيات الأمريكية والأوروبية في المنطقة والهادفة إلى تكريس خلافات عربية- عربية، مشيراً إلى أنّ النظام السياسي في المغرب يريد من سوريا، موقفاً من الصعب أن يتم إعطاؤه لهم، كاشفاً عن محاولات مغربية جرت لفتح قنوات تواصل بوساطة سلطنة عمان في مسألة تأكيد سوريا لوحدة التراب المغربية أو (البوليساريوا) الصحراء الغربية.
وأوضح المصدر، أنه في الآونة الأخيرة لم تتدخل سوريا في مسألة “البوليساريوا” إطلاقاً حتى في الاجتماعات الدولية، وكان الموضوع متروكاً لـ(لجنة تصفية الاستعمار في المنظمة الدولية)، مبيناً أنّ الأمم المتحدة لها مبعوث خاص بموضوع الصحراء الغربية يتجول بين القوى الفاعلية في الصحراء الغربية (الجزائر والمغرب وإسبانيا وفرنسا والولايات المتحدة الأمريكية).
ونظراً إلى أن مسألة الصحراء الغربية حساسة جداً للجزائر أيضاً، أكد المصدر أن سوريا ليس لها أيّ مصلحة إطلاقاً بأي علاقات توتر في المنطقة خاصة مع الجزائر، وقال: “لا أظن أن يكون هناك أي وعد سوري للمغرب إزاء مسألة الصحراء الغربية”.
فيما أشارت معلومات غير مؤكدة حصل عليها “أثر” من مصادر أخرى، إلى أنّ سوريا في السنوات القليلة الماضية سمحت بالتوافق مع الجزائر، فتح مكتب خاص يمثل حكومة الصحراء الغربية (البوليساريوا) المدعومة من الجزائر، ولكن غير مؤكّد إلى الآن ما إنّ كان المكتب موجود أم تم إغلاقه.
طبيعة العلاقات السورية- المغربية:
قبل عام 2012 جمعت كل من الغرب وسوريا مصالح ثنائية بنّاءة، وفي هذا السياق، يؤكّد الأكاديمي والخبير المغربي في العلاقات الدولية هشام معتضد في تصريح لـ”أثر”، أنّ “طبيعة العلاقات الثنائية المغربية- السورية كانت دائماً تقوم على أساس العمل المشترك وتنسيق الجهود للاستجابة لتطلعات القيادتين والشعبين على المستوى الإقليمي والدولي”، لافتاً إلى أنّ “مشاركة المغرب في حرب تشرين الأول إلى جانب الجنود السوريين (..)، يجسد مثالاً واحداً لعدد من الأمثلة التي تبرهن على مدى التاريخ عن وقوف البلدين جنباً إلى جنب”.
وبعد بدء الحرب في سوريا في آذار من العام 2011، بقيت العلاقات الدبلوماسية بين دمشق والرباط مستمرة حتى انقطعت رسمياً في منتصف تموز عام 2012 عندما أعلمت وزارة الخارجية المغربية السفير السوري في المغرب آنذاك السفير نبيه إسماعيل، أنّه “غير مرغوب فيه” في الرباط، وبالمقابل غادرت البعثة الدبلوماسية المغربية من العاصمة دمشق بعد تبليغها ذلك رسمياً.
وفي هذا السياق، رأى المعتضد، خلال حديثه لـ”أثر” أنّ “قطع المغرب علاقاته الدبلوماسية مع سوريا، يجب وضعه في سياقه الدولي والإقليمي لفهم الديناميكية المرتبطة ببورصة الدبلوماسية في المنطقة وعلى المستوى العالمي آنذاك”، مشيراً إلى أن “التحولات الجيوستراتيجية المتسارعة أدخلت الساحة العربية في نوع من الضبابية السياسية وهو ما أثر تأثيراً مباشراً أو غير مباشر في أجندات السياسة الخارجية لعدد من الدول العربية وأدخلها في حالة من التذبذبات الدبلوماسية”.
مبررات استمرار المقاطعة المغربية- السورية:
أشار الخبير المغربي في حديثه لـ”أثر” أنّه “من الخطأ قراءة الموقف المغربي تجاه سوريا في سياق الانفتاح العربي الواضح إزاء دمشق، لأن خصوصية العلاقات بين القيادة في الرباط ونظيرتها في دمشق تؤطرها خصوصيات مغايرة مقارنة مع تلك التي تضبط على سبيل المثال العلاقات بين دمشق ودول الخليج العربي”، مضيفاً أن “القوى الحية في الرباط ودمشق لهما ديناميكية خاصة في بناء العلاقات الثنائية لأن البناء الفكري والثقافي والسياسي بين البلدين له مميزاته وهو ما جعل دائماً العلاقات بين البلدين استثنائية ومميزة”.
وأوضح المعتضد أن هناك عوامل أولية فاقمت التباعد السياسي والدبلوماسي بين دمشق والرباط وأثرت في سرعة إعادة قنوات التواصل الدبلوماسية وأجهزة الاتصال السياسي في البلدين، مبيناً أن “غياب أرضية حقيقة وصلبة تجمع المصالح الاستراتيجية لكل من الرباط ودمشق كانت دائماً الحلقة المفقودة في التعجيل لإعادة بناء جسر التعاون الدبلوماسي والتنسيق السياسي بين القيادتين”، لافتاً إلى أنّه “ومنذ اندلاع الشرارة الأولى لما يصطلح عليه الربيع العربي بات التركيز كلياً منصباً على ضبط الأوضاع الداخلية وإعادة ترتيب التحالفات الاستراتيجية وتعيين جدول الأولويات السياسية، بالإضافة الى البعد الجغرافي”.
إضافة إلى كل هذه العوامل، يشير المعتضد إلى أنّ “هناك اختيارات استراتيجية مرتبطة بالأمن القومي، حددتها كل من القيادة المغربية والسورية وأصبحت من المحددات الشمولية لبناء عمل دبلوماسي مشترك متين ومحترم، منها على سبيل المثال، حدد العاهل المغربي قضية الصحراء المغربية بوصفها منظاراً للمغرب ووحدة قياس الرباط السياسي لبناء أي علاقات خارجية قائمة على البناء المشترك الإيجابي.
مستقبل العلاقات بين البلدين:
يرى المعتضد أنّ تجاوز مرحلة القطيعة السورية- المغربية أمر ممكن، لأنه “لا مستحيل” في السياسة، فقال: “في العلاقات الدولية، لا يمكننا تصور قطيعة دائمة أو صداقة دائمة، بل هناك –السياق- الذي يعتبر ملك ضبط إيقاع العلاقات الدبلوماسية والسياسية بين مختلف الفاعلين في الساحة الدولية”.
وأردف أن “التساؤل المطروح اليوم مرتبط بنوعية السياق، وهل يرقى لمستوى تطلعات القيادتين، المغربية والسورية، لإعادة بناء جديد ومنفتح لعلاقات ثنائية تستجيب ما ينتظره الشعبين الشقيقين”.
وختم المعتضد بالقول: “أظن أن العلاقات بين البلدين يمكنها أن تكون مثالية وخاصة طبيعية إن اختار مسؤولو البلدين بناء منصة استراتيجية للتداول السياسي مبنية على مقاربة واقعية بعيداً عن الحسابات الإيديولوجية وخاصة في إطار احترام التوجهات السيادية والأمن القومي لكل بلد، اليوم، عموماً، أي تحالف مبني على الواقعية السياسية والاحترام السيادي المتبادل باعتماد مقاربة رابح-رابح، يشكل حصن قوى أمام –السياق- الذي يتلاعب بإيقاع العلاقات الدولية وبورصة السياسة الخارجية”.
قصي المحمد