خاص|| أثر برس عشية عيد الفطر السعيد، يقبض الكثير من أهالي اللاذقية على أوجاعهم التي لا تزال حارّة، فالذي لم يفقد أحد من ذويه جراء الزلزال، هو الآن جالس في مركز إيواء، أو عند أحد من أقاربه، أو مستأجر منزلاً بضعفي راتبه الشهري، فالجميع يجلسون في كل ليلة على أطلال الذكريات القريبة لمثل هذه الأيام من العام الماضي، ويتساءلون: بأي حال عدت يا عيد؟.
“أي عيد وفي كل منزل غصة وحرقة ووجع”، بهذه الجملة سارعت ندى التي فقدت أباها وأمها في الزلزال، لوصف حالها وحال الكثير في العيد الذي يعود هذا العام من دون بهجة، وتقول لـ “أثر”: “لم يعد هناك عيد بالنسبة لي، وأصبح مقتصراً أن أذهب صبيحته إلى قبر أمي وأبي وأعايدهما هناك، وهناك الكثير سيفعل مثلي”.
وتضيف ندى: “وجوه الناس عابسة، وقائمة الحاجات المعيشية اليومية وصعوبة تأمينها تطغى على شراء حلويات وملابس العيد الذي لم تعد له بهجة خلال سنوات الحرب، فكيف الحال هذا العيد الذي عاد على المحافظة المنكوبة بفعل الزلزال”.
في مركز الايواء داخل مدينة الأسد الرياضية، أم حسن تغصّ بالكلمات وربما بالحسرات، لتقول لـ “أثر”: “أي عيد.. مافي عيد، العيد للناس الموجودة ببيوتها مو إلنا نحنا يلّي خسرنا منازلنا وقاعدين بمراكز إيواء”، مستدركة على عجل: “الحمدلله أننا استطعنا الهروب من المنزل قبل أن ينهار المنزل ولم يتأذى أحد فينا، فنعمة السلامة أهم بكثير من المنزل الذي يعوض مقابل حياة زوجي وأولادي”.
تهرب إلى الصمت ومواربة وجهها وهي تنظر إلى طفلها (خمسة أعوام) الذي يجلس بجانبها، ثم تكمل بعد أن حررت ما في جعبتها من كلام وأطلقت الدمعة لتريح بها الوجع المسكون داخلها: “نحنا كبار نستوعب ما جرى، لكن ما ذنب الأطفال أن لا يفرحوا بالعيد ويعود عليهم وهم هنا داخل مركز الإيواء، العيد للأطفال وليس للكبار”.
واستطردت شارحة: “في أول ايام العيد سآخذ أولادي الثلاثة إلى ساحة الألعاب، وسيلعبون كما الأطفال الآخرين، صحيح أننا لم نستطع شراء ملابس جديدة لهم، ولا حلويات العيد الذي اعتدت أن أصنعه في المنزل، بسبب ظروف إقامتنا هنا، لكنني سأحرص على إسعادهم بالأشياء المتاحة”.
من جهته، قال نوار (أب لطفلين): “من رضي عاش، الحمدلله نحن بخير، وكل شيء تهدّم يمكن تعويضه مع الأيام”، وأضاف لـ “أثر”: “لن يكون هناك بهجة للعيد هنا، فالجميع منكوب بفقدان أحبة ومنازل، وقد أصبحنا في المركز عائلة كبيرة همومنا واحدة، وأطفالي سيلعبون مع باقي الأطفال هنا في العـيد”.
وجوه بملامح عادية، لا فرح ولا حزن، وإنما فقط تعابير آنية سريعاً تأتي وسريعاً تذهب مع الموقف الطارئ، في الأسواق، الحركة بين شد وجذب، ومن يتفرج على واجهات المحال أكثر بكثير ممن يعقد العزم على الشراء، حتى محال بيع الحلويات تكاد “تصفر” فالأسعار نار وجيوب أصحاب الدخل المحدود مكتوية سلفاً بفعل تأمين الحاجات المعيشية اليومية.
حتى الشوارع والحارات، التي كانت تعبق، في مثل هذه الأوقات، برائحة الحلويات التي تصنع في المنازل، لم يعد لها أي رائحة، إذ تقول أم خليل لـ “أثر”: “ناهيك أن أسعار الحلويات الجاهزة باهظة جداً، وحتى تكاليف تحضيرها في المنزل بات مكلفاً، لا يوجد هناك رغبة في صنع الحلويات فالمحافظة مكلومة، فالذي لم يفقد أحد من عائلته أو منزلاً كان يأويه، فإنه فقد صديقاً أو قريباً أو جاراً”، وتضيف: “لا يستطيع المرء أن يتجاوز كارثة الزلزال التي خلّفت أوجاعاً بالجملة لا تزال حارة”.
الرأي نفسه، تشاطره أم رفعت التي أكدت أنه لا مظاهر عيد هذا العام في اللاذقية التي لا تزال تستقبل المساعدات الإنسانية لتجاوز كارثة الزلزال، مستدركة: “لكن يجب أن نفسح المجال للفرح قدر استطاعتنا، خاصة للأطفال الذين ليس لهم ذنب ولا يدركون حجم المعاناة، مدللة بأن عائلة ابنها منذ حدوث الزلزال وفقدانه منزله، وهو يجلس عندهم في منزل العائلة، ولذلك فإنه صنعت معمول للعـيد في المنزل، لكي يشعر الأطفال ببهجة الـعيد كما كل عام”.
وختمت أم رفعت كلامها قائلة: “حلو نفرح بعز الوجع، ونقول أنو بكرا أحلى، خلينا نفّرح الأطفال، ونخلي الأمل فيهم”.
صفاء علي