خاص|| أثر برس إبان عودة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، وفوزه على منافسته كامالا هاريس، تترقب دول عدة سياسات ترامب القادمة في الملفات الإقليمية، ولعل أبرز الملفات تلك المتعلقة بالشرق الأوسط، والذي يشهد حالة من التوتر بعد أحداث السابع من أكتوبر، في ظل تصعيد كبير للعمليات العسكرية التي ينفذها جيش الاحتلال سواء في فلسطين المحتلة أم في لبنان، كذلك استهداف سوريا والعراق، وامتداد الاعتداءات إلى الأراضي اليمنية، الأمر الذي يعقد المهمة الجديدة أمام ترامب في دراسة خياراته لخفض التصعيد وإنهاء حالة الحرب في المنطقة.
ولعل الملف السوري أحد أبرز الملفات الإقليمية العالقة في المنطقة، إذ تتعدى الأزمة من كونها سياسية إلى حصار اقتصادي، تضاف إليه التعقيدات التي تبعت أحداث السابع من أكتوبر، لكن المتغير الأبرز ما بين ولاية ترامب السابقة والحالية، يقوم على العلاقات العربية مع سوريا، وعودة دمشق إلى الجامعة العربية، عدا عن الطلب التركي بالتقارب مع دمشق، وإعادة افتتاح عدد من السفارات ومنها أوروبية بالعاصمة.
قانون قيصر
لا شك أن ولاية ترامب السابقة، خلّفت عدداً من الآثار السلبية على دمشق، ولعل أبرزها قانون العقوبات على سوريا المعروف بـ “قيصر”، والذي شكّل شللاً لعدد من المفاصل الاقتصادية السورية في جوانب عدة، عدا عن توجيه ضربات طالت قواعد عسكرية سوريّة في أرجاء البلاد.
وعليه تعتقد ميس كريدي عضو اللجنة الدستورية عن المجتمع المدني أن سياسة سوريا الخارجية ثابتة لم تتغير سابقاً، وأن المتغير القادم سيكون في السياسة الأمريكية، وفقاً للمتغيرات الإقليمية الجديدة، إذ إن دمشق لديها الخبرة السياسية الكافية والسابقة أيضاً في التعامل مع سياسة الإدارة الأمريكية.
وأضافت كريدي في حديثها مع “أثر برس” إلى وجود عدد من التغيرات طرأت على العلاقات السورية مع الخارج، كالانفتاح مع الخليج وجامعة الدول العربية، والتقارب مع عدد من الدول الأوروبية، وعليه يمكن أن يؤدي ذلك إلى استثمار العلاقات لصالح تجاوز الأزمة اقتصادياً، لافتة إلى أن أدوار الوساطة أياً كانت ستؤدي دورها لمساعدة سوريا في تجاوز العقوبات وليس إلغاء قانون قيصر، كونه مرتبطاً “بلوبيات” داخل الإدارة الأمريكية صانعة القرار ومحركته.
دور خليجي محتمل
لا شك في أن العلاقات الخاصة بين ترامب والخليج خاصة كل من السعودية والإمارات لاقت محط أنظار المحللين الاقتصاديين، إذ يشير التاريخ السياسي لترامب في ولايته السابقة إلى ديناميكية العمل في عقده الصفقات، وعليه تتجه التطلعات لدور محتمل له في تخفيف الآثار الاقتصادية على سوريا في حال جرت وساطة خليجية.
يؤكد الكاتب العُماني والخبير في الشؤون الاقتصادية أحمد العبد الله، أن العلاقات الخليجية القريبة من واشنطن قد تُسهم في دور الوساطة لتخفيف الضغوط الاقتصادية على سوريا، خاصة كل من السعودية والإمارات، لما لهما من علاقات استراتيجية مع الولايات المتحدة وتأثير كبير في السياسة الإقليمية.
ولفت الكاتب العُماني إلى أن تخفيف وطأة العقوبات يعتمد على عوامل عدة، بما في ذلك الموقف السياسي الداخلي في سوريا، والتوازنات الإقليمية، ومدى استعداد واشنطن لتعديل سياساتها في هذا السياق، ولعل تعزيز التعاون الاقتصادي مع سوريا، أحد أبرز العوامل في تخفيف العقوبات، لما له دور في جذب الاستثمارات وتقديم المساعدات المالية.
وأشار العبد الله إلى أن العلاقات الخليجية مع إيران وتركيا تؤدي دوراً في “الديناميكيات الإقليمية” بحسب قوله، لتحقيق توافق دولي حول مستقبل سوريا، وفتح المجال لحل سياسي شامل.
نجاح التقارب التركي!
بالعودة إلى مسارات الحلول الاقتصادية تعتقد عضو اللجنة الدستورية عن المجتمع المدني ميس كريدي أن الحل الأساس للأزمة الاقتصادية السورية ينطلق من الانسحاب الأمريكي من المنطقة الشرقية، وإعادة يد دمشق على خزّانها النفطي، لكن ذلك مرهون بشكل مباشر بخرائط إقليمية وعالمية، ومنها ما أفصح عنه رئيس حكومة الاحتلال “بنيامين نتنياهو” بوجود خارطة جديدة للشرق الأوسط.
وحول تسريع عملية التقارب مع أنقرة كانفراج اقتصادي محتمل على سوريا ترى كريدي، أن معبر أبو الزندين ذا الأهداف الاقتصادية منفصل عن ملف التقارب بشقه السياسي، إذ إن مسألة المعبر تجري وفق تسويات محددة، أما ملف التقارب يجري وفق تسوية شاملة في المنطقة، وما يجري من مماطلة تركية يؤكد ذلك، إذ لم تتعد التصريحات التركية سوى مناورات كلامية، وربما تأجلت حتى تتفرغ واشنطن للملفات الخارجية بعد ترتيب بيتها الداخلي.
دور روسي محدود
وعلى الرغم من ارتياح موسكو الحليف الرئيسي لدمشق بعودة ترامب إلى البيت الأبيض، لا يبدو أن ذلك سيغير أي شيء، إذ إم سوريا لم تعد من أولويات الإدارة الروسية بحسب الباحث الروسي رامي القليوبي، الأستاذ الزائر في كلية الاستشراق بموسكو.
القليبوبي أشار إلى أن هناك إجماعاً على أن بوتين لن يستطيع إزالة العقوبات حتى على روسيا نفسها نتيجة الحرب الأوكرانية، وعليه لا مجال للحديث عن الضغط الروسي على ترامب للتراجع عن قانون قيصر.
وعلى الرغم من التحليلات القائمة على وجهة نظر ترامب السابقة في الملفات الخارجية، فإن طبيعة الأحداث التي جرت بعد السابع من أكتوبر فرضت نفسها على المشهد الإقليمي والعالمي، وعليه باتت استراتيجيات التعاطي مختلفة بنظر الإدارة الأمريكية، والتي ستبدأ تتكشف معالمها مع اختياره المسؤولين المعنيين بملفات المنطقة.
د. أحمد الكناني