جملة من التناقضات في التصريحات يحملها المشهد العسكري في مدينة إدلب وأرياف حماة وحلب في الشمال السوري، فبالوقت الذي تحاول فيه تركيا تثبيت الواقع الحالي من خلال تعزيز نقاط المراقبة وإنشاء جامعات ومؤسسات تركية لمنع الإنهيار المعنوي في صفوف المقاتلين المعارضين والقاعدة الشعبية لهم بالإضافة إلى الذين جُلبوا إلى المنطقة من كافة أصقاع سوريا، تخرج روسيا بتصريحات تؤكد قرب العمل العسكري في المنطقة.
يوم الخميس الفائت، خرجت روسيا بتصريحين من قبل جناحيها العسكري والدبلوماسي، أكدا النوايا الروسية بمساعدة القوات السورية في استعادة السيطرة على المنطقة، التصريح الأوّل كان للجنرال سيرغي رود سكوي، أحد القادة البارِزين في هيئة أركان الجيش الروسي، وقال فيه إنّ القوّات السوريّة دمّرت كلياً تنظيم “داعش” و”هيئة تحرير الشام – جبهة النصرة وحلفائها” في جنوب سوريا وحرّرت 3332 كيلومتراً مربعاً، وسيطرت على 146 بلدة، وباتَت تسيطر بالكامِل على ثلاثِ محافظات وهي درعا والسويداء والقنيطرة وكل الحدود مع الأردن ومعابرها، ولم يتبق أمامها سوى إدلب، والتصريح الثاني لسيرغي لافروف، وزير الخارجيّة الروسي، الذي أكد أن الوجهة المقبلة للجيشين السوري والروسي هي إدلب عندما قال “إنّه يجب تطهير الجيوب المتبقية في مدينة إدلب في الشمال الغربي من الجماعات الإرهابيّة”.
تلك التصريحات تتصادم مع المشهد الذي تحاول تركيا المحافظة عليه في المنطقة ومع ما يصرح به المسؤولون الأتراك بأنه لا عملية عسكرية في المحافظة، إلا أن تلك التطمينات التركية ظهرت بشكل أقل حدة قبل بدء العمليات العسكرية السورية والتي كانت بتغطية جوية روسية في مدينة حلب قبل سنتين ما من شأنه التشكيك بمصداقية التصريحات التركية.
تعقيد المشهد الميداني الداخلي للتشكيلات الفصائلية
العمليات العسكرية في تلك المنطقة تحمل جملة من التعقيدات التي لا يمكن التغاضي عنها، فالمشهد الميداني الداخلي للفصائل يخفي في طياته الكثير من التشرذمات عقائدية كانت أم قومية والتي لا تصب في معظمها بالمحاولات التركية لإبقاء المنطقة، فتنظيم “جبهة النصرة” الجناح العسكري لتنظيم “القاعدة” في سوريا الذي يعتبر “إرهابياً” عالمياً، له اليد العليا في المنطقة وعلى الرغم من المحاولات التركية المتكررة لحله في باقي التشكيلات إلا أن تلك المحاولات لم يكتب لها سوى الفشل، فبعد أكثر من عام على تشكيل “جبهة تحرير سوريا” التي ضمت معظم الفصائل التابعة لتركيا وبدأت بشن هجمات، فشلت في إجبار التنظيم على الاندماج داخل التشكيلات الفصائلية التابعة لتركيا، وتُجدد الأخيرة اليوم محاولاتها من خلال تشكيل نواه لما تسمية بـ”الجيش الوطني” بهدف البدء بمعارك لا يتوقع أن تنتهي بنتيجة أفضل من نتيجة السنة الفائتة، خصوصاً وأن “جبهة النصرة” التي تضم مسلحين أصحاب خبرة في الحروب سواءً أكانوا من الأوزبك أو الشيشان، تسيطر على المراكز الحساسة في المنطقة، فإن وجود تنظيم “القاعدة” في إدلب يعتبر الورقة السياسية الرابحة لروسيا في حال بدأت العمليات العسكرية على المنطقة والتي بدأت بوادرها مؤخراً في ريف حلب الغربي وريف اللاذقية الشمالي.
معركة إدلب ستكون على مرحلتين
بدء معركة عسكرية شاملة في مدينة إدلب تنتهي بسيطرة على كامل المنطقة في ظل غياب أي مأوى أو ملجأ لآلاف المسلحين من “جبهة النصرة” وغيرها من الفصائل المعارضة أمر غير منطقي، حيث يرى مراقبون بأن العمليات العسكرية المستقبلية ستكون محدودة، كتأمين محيط مدينة حلب إلى حد لا تصلها فيه القذائف، واستعادة السيطرة على كامل ريف اللاذقية الشمالي الشرقي والسيطرة على ريف حماة الشمالي لتكون هذه المرحلة الأولى بسيناريو مشابه لخطة شرق وغرب السكة التي انتهت بالسيطرة على مطار أبو الظهور قبل أشهر، ليتم بعد ذلك حسم المشهد الميداني في البلاد والذي سيترتب عليه مستقبل الملجأ الوحيد للفصائل المسلحة في سوريا.
وعليه فإن معظم الأوراق تصب في خانة العملية العسكرية وإن لم تكن شاملة في المرحلة الحالية، كما أنه من المستبعد أن توتر تركيا علاقاتها مع روسيا في هذه المرحلة التي تسوء فيها علاقتها مع الولايات المتحدة، إذ اعتاد العالم على تنقل السياسة التركية بين روسيا والولايات المتحدة ويبدو أنها في هذه المرحلة ستطيل البقاء في الحضن الروسي وهو مالم يصب في مصلحة مسلحي إدلب.