يجد بايرن ميونيخ نفسه بعيداً في صدارة ترتيب الدوري الألماني لكرة القدم غالباً في السنوات السبع الأخيرة مع انتصاف الموسم وبعد العودة من العطلة الشتوية، أو على الأقل متصدّراً ليكمل مرحلة الإياب نحو منصة التتويج.
في هذا الموسم يبدو الوضع مختلفاً، مختلفاً كلياً، إذ إن البافاري يتواجد في المركز الثالث بفارق 5 نقاط عن لايبزيغ المتصدّر وبفارق نقطتين عن بوروسيا مونشنغلادباخ الثاني ومبتعداً بفارق 3 نقاط عن بوروسيا دورتموند الرابع ومثلها عن شالكه الخامس و5 نقاط عن باير ليفركوزن السادس.
غالباً أيضاً، ما يكون بايرن الأكثر تحقيقاً للفوز بعد انتهاء مرحلة الذهاب لكنه بـ 10 انتصارات يأتي وراء لايبزيغ ومونشنغلادباخ (11 فوزاً) وما يكون بايرن الأقل خسارة لكنه بـ 4 خسائر يأتي وراء لايبزيغ (خسارتان) ودورتموند وشالكه (3 خسائر)، وما يكون بايرن الأقوى من ناحية الهجوم والدفاع، لكنه بتسجيله 46 هدفاً فإنه يأتي في المركز الثاني بفارق هدفَين وراء لايبزيغ أيضاً، وبـ 22 هدفاً في شباكه يأتي وراء مونشنغلادباخ وفولفسبورغ (18 هدفاً) ولايبزيغ (20 هدفاً) وشالكه وليفركوزن (21 هدفاً).
لماذا الحديث أولاً عن بايرن؟ لأن واقع بطل ألمانيا يعطي فكرة واضحة عن شكل المنافسة في “البوندسليغا”، من هنا، يبدو واضحاً أننا أمام موسم غير عادي وربما استثنائي لم تعرفه البطولة منذ زمن، يكفي القول أن 5 فرق على الأقل تمتلك، بنسب متفاوتة، فرصة التتويج باللقب، ويكفي القول أن 10 فرق تمتلك الحظوظ، بنسب متفاوتة، في التأهّل إلى مسابقة دوري أبطال أوروبا الموسم المقبل.
هكذا، فإن البطولة الألمانية هذا الموسم لم تعد أحادية المنافسة من بايرن ميونيخ أو ثنائية أحياناً بوجود بايرن ودورتموند أو غيره، المنافسون كثر والتنافس قوي جداً، وبالتالي فإن بطولة هذا الموسم في قمة الروعة.
بطبيعة الحال، فإن المنافسين في هذا الموسم استفادوا من تراجع نتائج بايرن المفاجِئة بتلقّيه في مرحلة الذهاب وحدها 4 خسائر مقابل 3 تعادلات، وهذا لم يكن يحصل معه في موسم بكامله، خصوصاً خسارته القاسية أمام أينتراخت فرانكفورت 1-5، لكن هذا لا يمنع من أن هذه الفرق قدّمت مستويات رائعة وثابتة وامتلكت نقاط قوة عديدة.
من الواضح أن بايرن عانى في مرحلة الذهاب (على عكس ما قدّمه في دوري أبطال أوروبا وربما هذا يوضح تركيزه على البطولة الأخيرة)، وهذا يتّضح أيضاً من إقالته مدرّبه السابق الكرواتي نيكو كوفاتش والاستعانة بهانز- ديتر فليك الذي استطاع إعادة الفريق إلى السكة الصحيحة بعد تعثّرات عديدة، ما دفع الإدارة لتمديد بقائه حتى نهاية الموسم الحالي.
لكن رغم ابتعاده بـ 5 نقاط عن لايبزيغ فإن البافاري يبقى “الرقم الصعب” في البطولة الألمانية ويمتلك تشكيلة قوية من النجوم خصوصاً مع استعادة البرازيلي فيليبي كوتينيو مستواه وتقديمه أداء رائعاً وتسجيله الأهداف في المباريات الأخيرة قبل العطلة الشتوية وهو ما يأمل مشجعو البافاري أن يستمرّ في تقديمه بعد استكمال البطولة.
في المقابل، فإن منافسي بايرن ومع الوصول إلى هذه المرحلة في الدوري الألماني يبدو واضحاً أن ثقتهم ازدادت وبات تحقيق اللقب بالنسبة لهم واقعاً يمكن تحقيقه وليس مجرّد حلم كما كان الحال في سنوات سابقة.
لا شك بأن العديد من الفرق فاجأت النقاد هذا الموسم والحديث بالدرجة الأولى عن لايبزيغ المتصدّر ومونشنغلادباخ الثاني والذي تصدّر أيضاً لفترة طويلة، الأول قدّم مستويات رائعة وحقّق انتصارات كبيرة في ظل قوة لافتة في خط هجومه بوجود الهدّاف المتألّق تيمو فيرنر الذي يأتي بـ 18 هدفاً في المركز الثاني في ترتيب الهدافين بفارق هدف واحد فقط وراء المتصدّر البولندي روبرت ليفاندوفسكي لكنه يتفوّق عليه بصناعته 6 أهداف مقابل اثنين للأول.
وإلى جانب فيرنر برز النمساوي مارسيل سابيتزر والسويدي إميل فورسبيرغ والدنماركي يوسف بولسن وهؤلاء لا يزالون في تشكيلة الفريق سوياً منذ حوالي 3 أعوام وهذه نقطة قوة، لكن الأهم كانت الإضافة الكبيرة التي قدّمها المدرب الجديد الشاب جوليان نايجلسمان القادم من هوفنهايم.
أما مونشنغلادباخ فيتميّز بالجماعية في الأداء وهذا ما يظهر من خلال عدم وجود هدّاف واحد في الفريق إذ إن الفرنسي ماركوس تورام والسويسري بريل إموبولو سجّل كل منهما 6 أهداف وباتريك هيرمان 5 أهداف فضلاً عن قوة دفاعه بوجود ماتياس غينتير الذي تم اختياره قبل أيام أفضل لاعب في المنتخب الألماني في 2019 والجزائري رامي بن سبعيني القادم إلى الفريق في الصيف الماضي والذي تألّق في المباراة أمام بايرن ميونيخ وأحرز هدفَي الفوز.
من جهته، فإن بوروسيا دورتموند عاش في مرحلة الذهاب فترة مشابهة لغريمه بايرن ميونيخ ليتواجد في المركز الرابع، لكن كما حال البافاري فإن دورتموند يبقى فريقاً متمرّساً في البطولة ويمتلك مجموعة قوية من النجوم بوجود القائد ماركو رويس (9 أهداف) والإنكليزي جادون سانشو (9 أهداف) والإسباني باكو ألكاسير (5 أهداف) وهو نجح في الانتقالات الشتوية بإبرام تعاقد مهم جداً بضم الهداف الموهوب، النروجي إرلينغ هالاند، الذي سيشكّل إضافة قوية لخط هجوم الفريق.
أما شالكه فيبقى خصماً قوياً لا يمكن الاستهانة به في ظل تألّق المغربي أمين حارث وسوات سردار والحارس الشاب المتألّق ألكسندر نوبل الذي سينضمّ في نهاية الموسم إلى بايرن ميونيخ.
إذاً، يُستكمَل اليوم الدوري الألماني بعد العطلة الشتوية، البداية بمباراة قوية بين مونشنغلادباخ وشالكه، المنافسون كثر، وفي النهاية بطل واحد، كل شيء في هذا الموسم وارد، إذ إن الفرصة بمنافسة بايرن على اللقب لا تأتي في كل موسم.