أظهر كرة القدم وجهها القاسي أمام إيران والمغرب، كان الإيرانيون والمغربيون يستحقّون بالنظر إلى ما قدّموه التواجد في دور الـ 16، القول ليس مُبالغاً، الإسبان والبرتغاليين لم يقدّموا أكثر مما قدّمه المنتخبان الآسيوي والأفريقي، لكنها الكرة لا تُنصف أحياناً.
فلندع جانباً الشكاوى الإيرانية والمغربية من الحكّام وتقنية الفيديو (التي يبدو في أمثلة كثيرة أنها لم تحل مشكلة الأخطاء على نحوٍ تام)، ولنبقى في ما قدّمه “تيم ميلي” و”أسود الأطلس” في الميدان، الإثنان أدّا أداء الأبطال.
قبل انطلاق المونديال، كانت النظرة إلى المجموعة الثانية بأنها “تحصيل حاصل” لإسبانيا بطلة العالم السابقة والبرتغال بطلة أوروبا الحالية، وبأن المجموعة ستكون نزهة للإسبان والبرتغاليين. كثر توقّعوا ذلك وقلّة قليلة رأت العكس، قد تبدو هذه النظرة “مفهومة” إزاء منتخبين مُدجَّجين بأبرز نجوم العالم ويأتي في مقدّمهم أفضل لاعب في العالم كريستيانو رونالدو والذين يرتدون قمصان أشهر الفِرق الأوروبية ويحظون بكل الأضواء، وإزاء منتخبين من الأغلى قيمة مالية في المونديال.
لكن ما حصل على أرض الملعب كان مُغايراً ومُفاجئاً لكل أصحاب ذلك التوقّع، من جهة إيران، فإنها بعد فوزها على المغرب قدّمت أداء رائعاً أمام إسبانيا وتحديداً بعد تأخّرها 0-1 حيث هاجمت مرمى ديفيد دي خيا وشكّلت خطورة كبيرة وكانت قريبة من معادلة النتيجة التي كانت ستفيدها في الجولة الأخيرة.
أما أمام البرتغال، فإن الإيرانيين واصلوا أداءهم القوي، لم يتوانوا قبل المباراة عن التأكيد بأنهم سيقاتلون من البداية للنهاية، وفعلوا ذلك، وتمكّنوا من وقف رونالدو وحرموه من التسجيل عبر ركلة جزاء، رونالدو أيقن خلال اللقاء قوّة الإيرانيين، هذا ما بدا من غضبه وتوجيهه لكمة لأحد اللاعبين من دون كرة كان يستحقّ عليها الطرد، رغم التأخّر في النتيجة، لم يستسلم الإيرانيون.
لم ييأسوا، تقدّموا إلى منطقة خصومهم وأدركوا التعادل، ضغطوا في الدقائق الأخيرة، وكادوا أن يفوزوا لو أصاب مهدي تاريمي الشباك في فرصته الأخيرة، لكنه أصابها من الخارج، لو كان هناك متّسع من الوقت كان من المرجّح بنسبةٍ كبيرةٍ أن تسجّل إيران، مجريات المباراة كانت تشي بذلك.
أما من جهة المغرب فإنها، بدورها، قدّمت أداء رائعاً للغاية أمام البرتغال ولم تستحقّ الخسارة 0-1 بعد سيلٍ من الفُرَص الخطيرة التي أُتيحت أمام لاعبيها.
ورغم تأكّد الخروج من المونديال، عاد “أسود الأطلس” وقدّموا أداء مميّزاً أمام الإسبان، تقدّموا مرّتين وكانوا على مقربة من فوزٍ تاريخيّ لولا الثواني الأخيرة.
ما يمكن قوله إن ما فرق مع الإيرانيين والمغربيين هو افتقادهم للخبرة في مثل هذه المواعيد واللعب على الجزئيات والتفاصيل، وهذا ما تتقنه في المقابل المنتخبات صاحبة الباع الطويل والتجربة الغنية، إذ على صعيد الأداء فإن إيران والمغرب لم تقلّا شأناً عن إسبانيا والبرتغال.
لكن يبقى العنوان الأساسي الذي يمكن الخروج به بعد انتهاء مباريات المجموعة الثانية هو أن العزيمة والإصرار يمكنهما أن يصنعا المستحيل، لكن هذا لا يمنع من قليل من الحظ أيضاً. الإيرانيون والمغربيون افتقدوا الحظ، عنوان هذه المجموعة أن الإصرار والعزيمة بإمكانهما التغلّب على عنصر المال والشهرة والأضواء.
الإيرانيون والمغاربة اجتهدوا لكن لم يُكافأوا، لم تُنصفهم الكرة، ولن يُنصفهم تاريخ المونديال، إذ لن يُقال لاحقاً إنهم قدّموا أداء رائعاً، سيُحكى فقط أن الإسبان والبرتغاليين تأهّلوا، الكرة قاسية أحياناً.