خاص|| أثر برس منذ 27 شباط الفائت ما تزال المظاهرات ضد “هيئة تحـ.رير الشـام” مستمرة في إدلب، وسط تساؤلات تدور حول الجهات المحرّضة على هذا الحراك الشعبي ضد “الهيئة” وقائدها “أبو محمد الجولاني”.
ونظراً إلى تعدد أعداء “الجولاني” داخل مناطق سيطرته وخارجها، تتعدد الاحتمالات حول الجهة المسؤولة عن التحريض على هذه الاحتجاجات.
ووفق التقديرات فإن هذه المظاهرات ناتجة عن حالة تراكمية، والمحتجون ينقسمون بين ثلاث تيارات، الأول: هم المدنيون المتضررون من “الهيئة” وسياساتها ضدهم، الثاني: يرتبط بجهات معارضة لـ”الهيئة” سيما التابعون للفصائل التي سبق أن فككها “أبو محمد الجولاني”، والثالث: يحظى بدعم وتحريض من مسلحين أطلق سراحهم مؤخراً بعدما اتهمتهم “الهيئة” بـ”العمالة”.
تؤكد الشعارات التي يرفعها الأهالي أثناء المظاهرات، وجود حالة من التضييق الاقتصادي على المدنيين، إذ يسيطر “الجولاني” على المنابع الاقتصادية كافة ويتفرد مع التابعين له بمنافعها، إضافة إلى مسألة المعتقلين والتضييق الأمني، هذه العوامل وغيرها كان لها دور في تأجيج الحراك.
بينما يتضح من الدعوات التي تُنشر في مواقع التواصل الاجتماعي والتي تدعو إلى توسيع المظاهرات أكثر، أن المسألة لا تقتصر على حالة تضييق اقتصادي، وإنما ترتبط بحالة انتقامية موجودة عند جهات متضررة من “الجولاني” وفي هذا الصدد، تتجه الأنظار إلى “حزب التحرير الإسلامي” الذي اعتقلت “الهيئة” عشرات منه في الأشهر الأخيرة الفائتة، والذي بدأ أفراده بالمشاركة بهذه المظاهرات بعد نحو أسبوع من اندلاعها، وفي هذا الصدد، أوضح الصحافي السوري صهيب عنجريني في حديث لـ”أثر برس” أن “حزب التحرير الإسلامي” يحظى بانتشار واسع في الأوساط الاجتماعية بمناطق شمالي سوريا وهو متضرر من سيطرة “الجولاني” على إدلب لأنه مهمّش بالكامل.
ولفت عنجريني إلى أن الوقائع تؤكد أنه “منذ أكثر من عام ينشط حزب التحرير بمجال التحريض على الهيئة”، موضحاً أن “حزب التحرير يمتلك خطاباً دعوياً فقط ولا قوة عسكرية لديه ولا ينتمي إليه أي فصيل عسكري”.
من جهة أخرى، تُعيدنا هذه المظاهرات إلى عام 2017 عندما بدأ “الجولاني” خوض معارك ضد فصائل مسلحة كانت تشاركه في السيطرة على إدلب، وانتهت تلك المعارك بانسحاب الفصائل إلى مناطق سيطرة أنقرة وتفكيك بعضها وأخرى انضمت إلى صفوف “الهيئة”، وفي هذا السياق أشار عنجيريني، إلى أن أفراد الفصائل التي تم تفكيكها والذين بقوا في إدلب قادرين على أن يثيروا نوعاً من أنواع الحراك، وبالتالي تلتقي مصالحهم وأهدافهم مع أهداف ومصالح “حزب التحرير الإسلامي”.
لم يخفَ على “الجولاني” حقيقة وجود مجموعات تسعى إلى تأجيج هذه الخلافات والاستثمار في حالة الاحتقان الشعبي ضده فبدأ بالعمل على جذب هذه المجموعات، ومنها فصيل “أحرار الشرقية” الذي عمل مسلحوه ضمن ألوية “هيئة تحرير الشام” قبل انتقاله إلى مناطق سيطرة أنقرة شمالي سوريا، ووفق عنجريني فإن “الجولاني” يجد بهذا الفصيل خطورة في حال تحرك ضده، ونظراً لارتباط “أبو ماريا القحطاني” بهذا الفصيل أقدم على إطلاق سراحه وسط ترجيحات تفيد بأن “الجولاني” أجرى صفقة مع “القحطاني” لعدم تحرك “أحرار الشرقية” ضده.
ويبدو أن هذه الخطوة كانت مجدية في كسب ود “القحطاني”، فبعد أيام قليلة من إطلاق سراح الأخير تصادم مع القيادي الشرعي “عبد الله المحيسني” الذي طالب قياديي “الهيئة” كافة بالتنحي عن مناصبهم وذلك في منصة “تلغرام”.
ورد “القحطاني” على منشور “المحيسني” بمنشور في المنصة نفسها، قال فيه: “يا بني أنصحك لا تركب الموجة لتزيد عدد متابعيك”، مضيفاً أن “المطالبة بعزل وتنحية القادة -على الملأ- في ساحة حرب يكثر فيها العملاء والمنافقون والمرجفون والباحثون عن الاصطياد بالماء العكر لا يمكن إحسان الظن أو التماس العذر فيها”.
وإلى جانب الفصائل التي تم تفكيكها، ثمّة فصائل حافظت على كيانها مثل “حراس الدين”، وفي هذا السياق، أوضح عنجريني أن هذا الفصيل يجمعه مع “الجولاني” اتفاق ضمني بأن يحافظ على هدوئه وألّا ينشط ضد “هيئة تحرير الشام” مقابل ألّا يتم التعرض له، بينما أوضح عنجريني، أن مثل هذه القوى يُنظر إليها باهتمام عند حدوث أي تطور أو تصعيد في مناطق سيطرة “الهيئة” على اعتبار أنهم ما يزالون محتفطين بقوتهم العسكرية، ويُعتبرون متضررين من سيطرة “الهيئة”.
أما بخصوص الأشخاص الذين سبق أن تم اعتقالهم أو إقصاؤهم، رجّح عنجريني أن يتجه “الجولاني” لإجراء صفقات معهم وكسب ودّهم من جديد.
وعند الحديث عن أعداء “هيئة تحرير الشام” وبالتحديد “أبو محمد الجولاني” لا يمكن تجاهل فصائل أنقرة، التي خاضت معارك مع “الجولاني” جراء اقتحامه المناطق التي يسيطرون عليها مرات عدة ولأسباب مختلفة، وكان آخر هذه المعارك في كانون الأول 2023، عندما اقتحمت مجموعات من “الهيئة” مدينة أعزاز بريف حلب الشمالي، لإلقاء القبض على الرجل الثالث في “الهيئة” المدعو “أبو محمد زكور” بعد هروبه إلى مناطق سيطرة فصائل أنقرة ودارت اشتباكات عنيفة بين مسلحي “الهيئة” وفصائل أنقرة، أسفرت عن سقوط ضحايا مدنيين.
وحول احتمال وقوف فصائل “الجيش الوطني” التابعة لأنقرة وراء الحراك الحاصل ضد “الجولاني” في إدلب، لفت عنجريني إلى أن حتى الآن لا يبدو أن هناك أوامر تركية بالتحرك ضد “الهيئة”، مستبعداً أن ينتقل الحراك إلى حالة مواجهة مسلحة لأنه لا يوجد طرف مواجه لـ”الهيئة” يمكن أن ينفذ هذه المواجهات، والفصائل التي فككتها “الهيئة” هي فصائل مشتتة ولا تملك قوة عسكرية، مضيفاً أن هذه الفصائل لم تحصل حتى الآن على ضوء أخضر تركي للتحرك، إلى جانب أنها لا تملك دعماً عسكرياً لمثل هذه الخطوات.
يشار إلى أن “الهيئة” حاولت بعد نحو أسبوع من بدء المظاهرات ضدها، تقديم تنازلات للأهالي، بالإفراج عن المعتقلين في سجونها وتخفيف القيود الاقتصادية على المدنيين، وإجراء اجتماعات مع مجالس محلية، وفي أول ظهور إعلامي لـ”الجولاني” عرض الأخير أمام مجموعة من الأهالي خيار التخلي عن زعامة “الهيئة”، في سيناريو مشابه لما فعله قبل سنوات عندما عيّن “هاشم الشيخ- أبو جابر” القائد السابق لـ”أحرار الشام”، زعيماً شكلياً لـ”الهيئة”، وتابع عمله في قيادتها وراء الكواليس.
زهراء سرحان