أثر برس

هجرن منازلهن ليتقاسمن مع الرجال “مكبات القمامة”.. نباشات لـ”أثر”: الفرق بيننا وبين باقي النساء هو الملابس النظيفة

by Athr Press G

خاص || أثر برس تفرد جهينة (كما تسمي نفسها)، محتويات مجموعة كبيرة من الأكياس البلاستيكية الضخمة على الأرض لتعيد فرز محتوياتها من المواد التي جمعتها هي ورفيقاتها من الحاويات ومكبات القمامة في دمشق ومحيطها القريب، وبعناية فائقة تتم إعادة تعبئة الأكياس ليتم نقلها لاحقاً إلى الباعة، إلا أن “جهينة”، التي تبلغ من العمر 35 عاماً ستنقل الأكياس مع رفيقاتها “على رؤوسهن” إلى التاجر القريب من مكان الفرز.

تختار الفتاة التي تنحدر من إحدى قرى محافظة الحسكة، أن تكون قائدة للفريق الذي يعمل معها من الفتيات الأصغر سناً، واللواتي تجنبن الحديث خجلاً، وكان جواب كل منهن على أي سؤال يوجه لها بالقول: “أسألها هي الكبيرة”، وتشرح جهينة الأمر بالقول: “لا يمكن للرجال أن يعملوا على مدار الساعة، نجمع ما يمكن بيعه خلال ساعات الصباح وبقية أفراد العائلة يجمعون في الليل، وكلمة نباشة تأتي من كوننا ننبش الحاويات ومكبات القمامة بحثاً عن الرزق”.

الفتاة التي تقول إنها حرمت من إتمام الدراسة الجامعية بسبب الحرب، تكشف أنها كانت تدرس “الأدب العربي” في كلية دير الزور، وكانت تحلم بأن تصبح معلمة وتعطي دروساً خصوصية للأطفال في قريتها التي تعتبر أقرب لـ “الدير من الحسكة”، وتضيف: “زوجي متوفى منذ خمس سنوات بعد إصابته بالسرطان، لدي ثلاثة أطفال وأعيش مع أخوتي الشباب في منزل غير مكتمل (على العضم)، على أطراف مدينة جرمانا، ومن الطبيعي أن أحلم كأي أم بمستقبل جيد لأولادي الذين يذهبون إلى المدرسة قبل خروجي للعمل، وأحرص على أن أكون في المنزل حين عودتهم”.

تسخر جهينة من تصوير العاملين في نبش القمامة على أنهم من يدارون من قبل المافيا أو مجموعات تنتمي لمجتمع الجريمة، وتقول: “من يعمل في مثل مهنتنا لا يمكن أن يكون إلا فقيراً دفعته الأحوال إلى نبش فضلات الناس بحثاً عما يبيعه أو يحرقه في مدفئته خلال ساعات البرد الشديد، وكل من يعمل بمهنتنا يردد جملة “الله يتوب علينا من هالصنعة”، لأنه ليس راضياً بها، فما بالك بالنساء اللواتي يحلمن أن يحضرن حفلات الأعراس أو المناسبات العائلية وهن يرتدين ملابس جديدة، ويضعن بعض المكياج كما كان حالهن قبل الحرب، وتنهي حديثها بالقول: “عند الرجوع للبيت نستحم بماء بارد في محاولة للتخلص من الروائح التي تعلق بنا خلال ساعات العمل، ونصف ما نحصل عليه أحياناً من هذه المهنة نصرفه على نفقات أدوية الكريب والأمراض التي تصيبنا نتيجة هذه المهنة أو البرد”.

كائنات من المريخ:

أم جابر، سيدة في العقد الخامس من العمر، لجأت للعمل في نبش القمامة بعد عجزها عن الحصول على عمل بسبب كبر سنها، وتقول خلال حديثها لـ “أثر برس”: “أعمل في جمع القمامة بمنطقة بعيدة عن مقر إقامتي، لا أحد من سكان الحي يعرف ما أعمل إلا بناتي اللواتي يدرسن في الجامعة، الظروف المعاشية الصعبة التي تدفعني لممارسة مثل هذا العمل هي السبب الأساسي وليس البحث عن الثروة، أحياناً لا يكون اليوم موفقاً ولا يزيد ما أحصل عليه عن 15 ألف ليرة سورية، وفي أحسن الأحوال أصل لمبلغ 35 ألف ليرة، وبالمجمل فإن ما أحصل عليه خلال الشهر يكفي لدفع إيجار المنزل ودفع نفقات دراسات البنات اللواتي أحلم أن يحملن عني أعباء المنزل بعد تخرجهن”.

الأمر بالنسبة لـ “أم يوسف”، يأتي من باب مساعدة زوجها الموظف “عامل نظافة”، في إحدى بلديات ريف دمشق، في دفع نفقات المنزل والعائلة، حيث لا يمكن للراتب لوحده أن يكفي بالغرض، تقول: “ومع عمل زوجي الجانبي في عزل ما يمكن بيعه في أكياس حين جمعه للقمامة في إطار عمله، أقوم بتجميع ما يمكن من المواد القابلة للبيع في أكياس وأنقلها مباشرة للباعة، وحين أعود للبيت أقسم المبالغ التي أحصل عليها إلى نصفين، الأول يدخل في النفقات اليومية والثاني أجمعه لإكمال إيجار المنزل الذي نعيش به في نهاية الشهر”.

تشرح أم يوسف خلال حديثها لـ “أثر برس”، أن أكثر ما يزعجها خلال عملها هو نظرات أقرانها من النسوة اللواتي يتصادف مرورهن بجانبها خلال نبشها لـ “حاويات القمامة”، وتقول: “أحياناً أشعر بأني قادمة من المريخ ولست امرأة مثلهن، الفرق بيننا هو الملابس النظيفة التي ما زلن يقدرن على ارتدائها في كل وقت بينما أنا الحاجة دفعتني للعمل في جمع القمامة”.

اقرأ أيضاً