ضجت مواقع التواصل الاجتماعي يوم أمس بما نقلته صحيفة “الأخبار” البنانية عن وصول وفد أمريكي إلى مطار دمشق وتوجهه إلى منطقة المزة بدمشق لعقد لقاء مع مدير الأمن القومي اللواء علي مملوك بهدف الوصول إلى تسوية تقضي بخروج القوات الأمريكية مقابل تغيير سياسة السلطات السورية مع إيران و”حزب الله”، أي القوى المناهضة لـ”إسرائيل”، والحصول على حصة من النفط السوري.
جاءت تلك التسريبات لصحيفة “الأخبار” بعد أيام مما كشف عنه “نواف الموسوي”، عضو البرلمان اللبناني عن كتلة “حزب الله” في برنامج شارك فيه في قناة “الميادين”، قائلاً: “إنّ الأمير محمد بن سلمان، وليّ العهد السعوديّ، أوفَد مبعوثاً إلى الرئيس الأسد حاملاً عرضاً ببقاء الأسد رئيساً مدى الحياة، ومشاركة السعوديّة في إعادة إعمار سوريا بسخاء، مقابل التّخلّي عن العلاقة مع إيران وحزب الله”.
تلك التطورات تأتي في الوقت الذي باتت تسيطر فيه الدولة السورية على أكثر من 80% من مساحة الجغرافيا السورية، وتعكس تلك المحاولات الأمريكية بنوع أو بآخر اقتناع الولايات المتحدة الأمريكية والسعودية بأنه لا يمكنهم تمرير سياستهم في سوريا عبر روسيا كما كانت تظن، وتحدثت المواقع العبرية مراراً وتكراراً خلال الأشهر الفائتة عن ضمانات قدمتها روسيا لـ”إسرائيل” من أجل ابعاد المستشارين الإيرانيين عن الجنوب السوري، إلا أن تلك الضمانات التي قدمها الجانب الروسي لم تترجم على الأرض ولم تتمكن روسيا من التحكم بالقرار الإيراني المرتبط بقرار دمشق.
وبات من الواضح أن القيادة الأمريكية باتت مدركة بأن خطتها لإخراج القوات الإيرانية من سوريا والتي تهدد أمن “إسرائيل” لا يمكن تحقيقها إلا عبر الدولة السورية التي تمكنت من استعادة السيطرة على معظم البلاد، لذلك بدأت بالحوار المباشر مع دمشق بشكل غير رسمي.
قرار السلطات السورية بهذا الخصوص كان معاكس تماماً لما تتأمله القيادة الأمريكية خصوصاً بعد زيارة وزير الدفاع الإيراني “أمير حاتمي” إلى دمشق وتوقيع اتفاقيات جديدة تثّبت الوجود الإيراني في سوريا بشكل رسمي وعلني، حيث قال “حاتمي” لقناة “الميادين”: “نحن نعتقد أن حفظ أمن سوريا، والشعب السوري والقوّات المسلحة السورية هي التي تحفظ الأمن في سوريا، ولكن كي تستطيع أن تقوم بحفظ الأمن عليها أن تُعيد بناء قوّاتها العسكرية وبناء البلد بشكل كامل، أهمّ بند في هذه الاتّفاقية هو إعادة بناء القوات المسلّحة والصناعات العسكرية الدفاعية السورية لتتمكّن من العودة إلى قدرتها الكاملة، والجمهورية الإسلامية تستطيع في هذا المجال أن تقدّم خدمات جيّدة في هذا المجال وتستطيع المشاركة في إعادة بناء القوّات والصناعات العسكرية”.
وتشير تصريحات وزير الدفاع الإيراني إلى أن موضوع وجود المستشارين الإيرانيين في سوريا مستمر إلى وقت طويل نتيجة تحالف بين دولتين بشكل رسمي وواضح ولا يمكن لأحد أن يتحكم بهذا الوجود، وهذه الرسالة جاءت في التوقيت الذي تشدد فيه الولايات المتحدة و”إسرائيل” من تأكيدهما على خروج المستشارين الإيرانيين للحفاظ على الأمن “الإسرائيلي”، وعكست التصريحات حالة من القلق “الإسرائيلي” الذي لا يتمكن من استيعاب نظريّة بقاء الإيرانيين على الأراضي السورية، حيث قال “يسرائيل كاتس” وزير المواصلات وشؤون الاستخبارات في حكومة الكيان الإسرائيلي، في لقاء إذاعي صباح اليوم الأربعاء: “إن الاتفاق الذي تم التوصل إليه بين سوريا وإيران والذي بموجبه يبقى التواجد الإيراني في سوريا من أجل مساعدة الحكومة السورية، إنما يضع تحت المحك السياسة الإسرائيلية حيال سوريا وهو يتخطى الخط الأحمر الذي رسمناه”.
وعليه بات من الواضح بأن الولايات المتحدة وحلفائها باتوا على إدراك ويقين بأن الأمور الحساسة والمفصلية في سوريا هي بيد دمشق فقط ولا يمكن تمريرها عن طريق حلفاءها، فبعد فشل محاولات الولايات المتحدة و”إسرائيل” بإخراج إيران عن طريق روسيا ورفض الحكومة السورية لإخراجها وفشل خطة ترامب الاقتصادية ضدها، هل ستبدأ مرحلة التنازلات الأمريكية تجاه إيران أم أن الحرب ستكون سيدة الموقف؟